صور الحكام

جلست أمام الرئيس السوري حافظ الأسد في أحدث قصوره والذي يطل على العاصمة السورية دمشق، والمبني على هضبة في نهاية طريق لولبي الشكل.
وقلت له: «أتعلمون سيادة الرئيس أنني في طريقي من المطار إلى هنا وفي جميع أنحاء العاصمة، رأيت الملصقات التي تحمل صورك في كل مكان، في جميع المحلات التجارية وعلى جميع نوافذ الحافلات وأعلى أي سارية أو عمود إنارة وفي الجانب الخلفي من الزجاج الأمامي لجميع السيارات. لقد كان هذا لافتا للغاية».

فأجاب الرئيس قائلا: «نعم» بصوت أكثر صدقا من صوتي «أنا أعترض على ذلك، ولكن الشعب يكن لي هذه المشاعر، إنه شيء محرج حقا. أحيانا أشعر أنني أريد أن أخرج بعد حلول الظلام لأزيل هذه الصور بصورة سرية».
ولكن هذا الرجل الحكيم القادم من نيويورك والذي يعيش بداخلي لم يستطع أن يقاوم وقلت: «حسنا، سيدي الرئيس، إذا لم تتمكن في ليلة ما من مقاومة هذه الرغبة، اتصل بي، فأنا أحب أن ألتقط صورة لك وأنت تتسلق عمود إنارة وتمزق الصور الخاصة بك». وفي هذه اللحظة عم الضحك أرجاء المكان.

لقد فكرت في هذه المحادثة القصيرة أكثر من أي شيء آخر جرى في لقائنا الذي استمر لمدة ساعتين ونصف الساعة في ديسمبر (كانون الأول) عام 1997. لقد فكرت في ذلك أكثر مما فكرت في مرتفعات الجولان؛ وكيفية إحياء محادثات السلام مع الإسرائيليين؛ واقتراح رفيقي في السفر دانيال أبراهام، الذي يعمل في مركز السلام في الشرق الأوسط، بأن نبني محطة لتحلية المياه. كذلك لم أفكر فيما كان يريد الأسد أن نقوله لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ أو إيواء سوريا للمنظمات الإرهابية.

لقد بدأت الملصقات المنتشرة في كل مكان – للرئيس حافظ الأسد، وخليفته ونجله بشار الأسد – تتهاوى. وتم إسقاط تماثيل الأب، ولم يقم الزعيم المتواضع بإزالة الملصقات بهدوء في جنح الليل!
يتم تمزيق ملصقات الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم العربي على أيدي شعوبهم التي لا تحبهم بهذه الطريقة من المتظاهرين الذين استمدوا الجرأة من حماس الحرية، ولكنهم يذبحون على أيدي أولئك الذين يريدون الإبقاء على الملصقات في كل مكان.
أما الولايات المتحدة فهي عاجزة: فنحن غير قادرين على توصيل خطابنا حول دعم الشعوب التي تطالب بالحرية ونتوخى الحذر لأننا لا نملك السيرة الذاتية الخاصة بكل واحد منهم، نواجه الكثير من هذه القضايا في وقت واحد.

لم يكن حافظ الأسد يعتزم في أي وقت من الأوقات أن يقوم بإزالة هذه الصور. ويبدو أن السوريين لم يعودوا يرغبون في رؤيتها معلقة. ولا أحد يعرف ما إذا كانت ستظل معلقة حتى الصباح. ولكن الشيء المؤكد
ترجمة الشرق الاوسط

السابق
مصادر استخباراتية باكستانية تكشف لـ “عكاظ” خفايا مقتله
التالي
يوم رياضي في راميا