ثياب عباس الجديدة

منذ تولت حماس السلطة في قطاع غزة قبل اربع سنين، لم يكن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية عاريا في الحقيقة لكنه يلبس نصف لباس فقط. طوال هذا الوقت كله كان عباس قادرا في أحسن الحالات على التحدث باسم الفلسطينيين الذين يسكنون يهودا والسامرة. وأصبحت قيادة حماس فم الـ 1.5 مليون فلسطيني يسكنون قطاع غزة.
برغم ذلك، فانهم في عواصم العالم وفي الامم المتحدة يستقبلون عباس باعتباره ممثل الشعب الفلسطيني. وكان في نظر حكومتي اهود اولمرت وبنيامين نتنياهو شريكا في التفاوض في اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين، ومنذ انتُخب براك اوباما رئيسا للولايات المتحدة تعرضت اسرائيل لضغوط للقيام بتنازلات من اجله.
جرى تبني نهج عمل الولايات المتحدة هذا من أكثر دول غرب اوروبا، وانقضت المعارضة في الكنيست ايضا بقيادة تسيبي لفني على نتنياهو لانه لم يستجب لمطالب عباس. وأيد "معسكر السلام" كله هذا الموقف.
مع ذلك علم الجميع انه ما ظلت حماس تسيطر على غزة فان عباس يستطيع ان يوجه مطالب الى اسرائيل لكنه لا يستطيع ان يقوم بتنازلات باسم الفلسطينيين، وان يلتزم اتفاقا باسمهم أو يطبق أي اتفاق قد يوقع عليه. إن من تجرأ على التذكير بهذا بين الفينة والاخرى اعتُبر باحثا عن ذرائع لعدم الاستجابة لمطالب عباس، أو تم اتهامه بأنه لا يصدر مع مبادرة اسرائيلية "شجاعة"، تشتمل على تنازلات اسرائيل لعباس.
لكن عباس يعرف الحقيقة. وهذا يُبين لماذا أصر على الامتناع عن تفاوض مباشر مع نتنياهو برغم ضغط الولايات المتحدة. ويُفسر لماذا قرر الالتفاف على التفاوض مع اسرائيل والتوجه مباشرة الى الامم المتحدة بطلب ان تعترف المنظمة بدولة فلسطينية غير موجودة في "حدود 1967". يعلم عباس جيدا ان هذه "الحدود" ليست سوى الخطوط التي اتفقت عليها اسرائيل والاردن في اتفاق وقف اطلاق النار في نيسان 1949 والذي نقضته الاردن في 1967.
وعرف الفلسطينيون في رام الله وغزة ايضا ان عباس يلبس نصف لباس فقط؛ وتظاهر عدد منهم في المدة الاخيرة ودعوا الى الوحدة بين فتح وحماس. يعلم من يطلبون انشاء دولة فلسطينية انهم محتاجون الى قيادة تمثلهم جميعا لا نصف الفلسطينيين فقط. ولذلك صاحوا قائلين: هذا الملك شبه عارٍ!.
إن نظام الحكم الضعيف لبشار الاسد في سوريا والعلاقة الودية بحماس التي يظهرها النظام العسكري الجديد في مصر أتما الباقي. وقع عباس على اتفاق مع حماس والآن، وقد أصبح كامل اللباس، ملتفا بعباءة الوحدة، يشعر بأنه يستطيع الحديث باسم الشعب الفلسطيني. لكن ينبغي أن نتنبه انه قد كُتب على ثوب حماس الجديد الذي لبسه طولا وعرضا: إرهاب.
هزمت عملية "السور الواقي" المخربين في يهودا والسامرة لكنها فعلت أكثر من ذلك ايضا: فقد أقنعت عباس وشركاءه بأن الفلسطينيين لن يربحوا شيئا من استعمال العنف. وهنا أسهم الجيش الاسرائيلي مرة اخرى اسهاما كبيرا في مسيرة السلام. الآن يعرف الجميع حقيقة انه لا يمكن التقدم نحو السلام ما ظل المخربون الفلسطينيون يصيبون المدنيين الاسرائيليين.
إن عباس الذي أيد في الماضي عمليات ارهابية، قبِل ذلك واستجاب للشرط الضروري لتحريك مسيرة السلام مع الفلسطينيين، ولكن حماس لم توافق قط على ذلك. فحماس لم تعترف باسرائيل واستمرت في اطلاق قذائف الرجم والصواريخ من قطاع غزة على مواطنين اسرائيليين. إن وجود الجيش الاسرائيلي فقط في يهودا والسامرة منع هجمات حماس الارهابية من هذه المنطقة.
الآن، مع المصالحة بين فتح وحماس، رجع عباس ايضا في واقع الامر عن معارضته السابقة للارهاب. هذا ثمن باهظ لثوبه الجديد ومعناه ضربة شديدة لمسيرة السلام. سيعلم "معسكر السلام" الاسرائيلي المبتهج للمصالحة بين فتح وحماس، قريبا جدا ان السلام الذي نريده جميعا قد أخذ يبتعد.

السابق
بين تهديد وتهديد وجودي
التالي
حكم غزة كحكم اسلام اباد