تخيل العالم من دون الدولار

لا يتمتع الدولار بالكثير من القوة هذه الأيام، إذا فقد الدولار 12% من قيمته مقابل العملات الأجنبية منذ فترة الفوضى التي أعقبت سقوط مصرف ليمان برذارز في عام 2008، وما يقرب من 5% منذ نهاية 2010.
وتدور نقاشات جادة بين الاقتصاديين حاليا بشأن إمكانية انتهاء حقبة الدولار، رغم تشبيه المؤسسات الإخبارية الفترة الحالية بفترة الضعف التي شهدها الجنيه الإسترليني عام 1998. لكن ما نسميه بـ«العملة الزائفة» لا يدعمها سوى الإيمان الكامل، والثقة الائتمانية للحكومة لم تعد موضع احترام، لذا أليس من الأفضل لنا أن نكون من دون الدولار؟

تخيل أنك استيقظت في الغد وقد اختفى الدولار، ولم يعد بمقدور مصرف الاحتياط الفيدرالي الأميركي توفير الأموال للشركات فكيف تستطيع تصريف شؤون حياتك اليومية؟
الإجابة الواضحة على ذلك هي أن الحياة ستصبح سوقا كبيرة للتبادل. وستكون مثل سوق المزارعين المحليين، عدا أنه بدلا من وجود بائع متجول يبيع الخضار مقابل الدولار ستضطر إلى أن تبيعه مقابل البصل في المتجر المجاور، أو مقابل سكين لتقشير الخضراوات. والمشكلة قد تتمثل فيما يصفه الاقتصاديون بـ«عدم مصادفة الحاجة» ـ فبائع الجزر قد لا يرغب في شراء البصل، وهذا البصل قد يتلف قبل أن يجد راغبا في شرائه. وهذا يؤكد على أهمية العملة كوسيط للتبادل وحافظ للقيمة. لكن في عالم لا تملك فيه الولايات المتحدة عملة، سيكون هناك حافز لاستخدام عملة دولة أخرى.

ويكفينا النظر إلى تاريخنا، فمستعمرات بريطانيا الـ13 في أميركا الشمالية منعت من سك العملة أو طباعة نقود خاصة بها. لذا تحول المستعمرون إلى العملات الفضية الإسبانية التي حصلوا عليها عبر صادرات السمك المجفف، وزيت الحوت إلى الهند الغربية. فهل إذا اختفى الدولار بطريقة سحرية، سيعود الأميركيون مرة أخرى إلى التعامل بأموال دولة أخرى. وعندما يقول رون بويل «نهاية المصرف الفيدرالي» فهو بذلك لا يدرك أنه سيعطي امتيازا ذا قيمة كبيرة لمصرف كندا.
من ناحية واقعية، فإن احتياجات عملتنا لا يمكن أن تلبى إلا عبر اقتصاد آخر كبير، وربما تكون كندا أصغر من أن تضطلع بمثل هذا الدور. لكن المرشحين المحتملين الآخرين ـ أوروبا والصين ـ لديهما بعض أوجه القصور في هذا الشأن أيضا. فأوروبا تغوص في مستنقع أزمة الديون، في الوقت الذي تحد فيه الصين من استخدام عملتها في الخارج لمنع رفع سعر صرفها.

ولذا تخيل أننا لم نبدأ في استخدام عملة دولة أخرى، ستكون محاولة إحصاء عدد الجزرات التي يمكن تقديمها مقابل بصلة واحدة، وعدد البصلات التي يمكن تقديمها مقابل حبة بطاطس وعدد حبات البطاطس التي يمكن تقديمها مقابل سكين التقشير ستكون مسألة معقدة دون وجود معيار موحد. ومن ثم فقد نميل لاستخدام سلعة واحدة كمعيار يمكن أن تعبر عنها قيمة كل السلع الأخرى.

ففي مستعمرة فيرجينيا لعب التبغ في البداية هذا الدور، وكانت الخطة التالية العمل على استقرار التحويلات بعدم استخدام تبغ حقيقي لكن عبر إيصالات مستودع التبغ. كان هذا أكثر ملاءمة لكنه في الوقت ذاته كان يحمل الكثير من المخاطر. فقد كان لدى مضاربي المستودع حوافز لإصدار المزيد من إيصالات التبغ ـ بالطبع بالنسبة لهم ـ أكثر من التبغ المخزون لديهم. ونتيجة لذلك، كانت مخازن التبغ في فيرجينيا أكثر تنظيما وكانت عقوبة إصدار الإيصالات الوهمية الإعدام. في ذلك العالم الخالي من الدولار، كان الحق في إصدار أوراق مالية مقصورا على مجموعة من الكيانات المنظمة ـ يمكنك تسميتها مصارف. هذه هي الصورة التي دخلت بها العملة الأميركية إلى الحياة العامة قبل الحرب الأهلية. قامت المصارف بطبع وإقراض الأوراق النقدية المطبوعة. وطلب مشرعو الولاية منهم الحفاظ على الذهب أو السندات المالية الكافية لتغطية أوراقهم المالية. المشكلة كما كان متوقعا هي أن عددا من الولايات لم تطبق تشريعاتها بقوة وسمح البعض للمصارف بحمل السندات الحكومية في دفاترها بقيمة كاملة في الوقت الذي كانت تستحق فيه بضعة سنتات على الدولار. ولو أن الجميع هرولوا لصرف الأوراق المصرفية لواجه مصدر هذه الأوراق استحالة في الإيفاء باستحقاقاتها.

ومن ثم لم تكن كل الأوراق المصرفية متساوية في القيمة، فقد كانت تشكل أهمية خاصة للجهة المصدرة لها. ومع استشعار الحاجة، اتخذ جامعو الاستخبارات المالية قرارا حاسما بإصدار نشرات إخبارية عرفت باسم «التقارير المالية»، لتي أدرجت الأسعار التي تتعامل بها المصارف المختلفة، والتي تعكس السمعة الطيبة لمصدر هذه الأوراق أو مشكلاته في سجله التاريخي.

القياس على هذا في القرن الحادي والعشرين سيكون عبر قيام مزارعينا المحليين بمسح كل ورقة مصرفية بالهاتف الذكي لمعرفة كم عدد الجزرات التي كانت تساوي قبل قبولها. وربما تكون تلك طريقة عملية لكنها ستعطل بكل تأكيد عملية الدفع. وربما يكون من المغري أن نتصور إمكانية التكنولوجيا أن تملأ هذا الفراغ. ففي عالم يخلو من الدولار ستقوم كل شركة إنترنت طموحة بإنشاء منصة للتحويلات متخيلة العملات الإلكترونية واضعة عملة إلكترونية يتم من خلالها التعبير عن الأسعار. وسيتم الدفع وتتراكم الإيصالات. ولن يكون من الصعب تخيل اعتمادات «فيس بوك» التي تستخدم الآن لشراء الأغراض في الألعاب لتتطور إلى عملة إلكترونية أكثر استخداما (وربما تلقب بـ«فيسباكس»).

ورغم وجود بعض المحاولات بالفعل لإنشاء عملة إلكترونية مثل البيتكون، فإن مثل هذه العملات ستواجه صعوبة في إمكانية انتشارها، والسبب في ذلك سهل للغاية. فإذا أمكن تخيل عملة إلكترونية خاصة، فمن الممكن تخيل وجود الكثير من العملات، ولن تكون هناك ضمانات في إمكانية قبول الأفراد الآخرين هذه النوعية من النقود الإلكترونية التي يستخدمها المستهلك العادي. علاوة على ذلك، فإن أنظمة الدفع الإلكترونية هذه ستكون مقبولة فقط بقدر برامج وخدمات الشركات الخاصة وهو يجعل من المستحيل على المستخدم النهائي الحكم. أضف إلى ذلك أن الأموال الإلكترونية التي ستراكمها ستحتفظ بقيمتها ولن يحول شيء دون قيام مشغلي المنصة من إصدار المزيد لأنفسهم في المقام الأول. وإذا ما تململ الأفراد من تدهور قيمة أموالهم سيسارعون إلى تحويلها إلى بضائع، وهو ما قد يدفع الآخرين إلى رفضها كطريقة للدفع، وسيتقوض النظام ككل.

ربما كان هذا هو السبب في وجود مصرف الاحتياط الفيدرالي، الذي ينظم توفير هذه الأموال. فهو يدعم أنظمة الدفع ويوفر السيولة الاستثنائية الضرورية لعمليته السهلة في أوقات الاضطرابات كتلك التي حدثت في أعقاب سقوط مصرف ليمان براذرز. كما يعمل مصرف الاحتياط بالتفتيش على المصارف إلى جانب شركة التأمين على الودائع الفيدرالية لتعزيز الثقة ومنع المصارف من المراوغة.

ويمتلك منتقدو الدولار الكثير من الأسباب لكني عندما أفكر في ترتيباتنا المالية الحالية أجد نفسي أقتبس تعبير وينستون تشرشل عن الديمقراطية عندما قال: «ربما يكون نظامنا هو الأسو
ترجمة الشرق الاوسط

السابق
الانباء: الحكومة مكانك راوح والتيار ينتظر تصور ميقاتي اليوم
التالي
اوباما يقضي على اسامة