يا ويلنا، تبادلنا الأدوار

إليكم بشرى خير وتسلية ضئيلة: الجمهور الاسرائيلي أذكى وأشجع من قادته. فقد أجاب أكثر الجمهور، 53 في المائة مقابل 42 في المائة (في استطلاع مينا تسيمح في "يديعوت احرونوت"، 29/4) بأن "نتنياهو يجب ان يعرض في واشنطن خطة سياسية مع تنازلات كبيرة للفلسطينيين". ويعتقد 48 في المائة (مقابل 41 في المائة) ان على اسرائيل ان تعترف في ايلول بدولة فلسطينية كما تنوي أكثر الدول في العالم (مع الحفاظ على الكتل الاستيطانية).
لا يوجد ما يفرح. يبدو ان أكثر الاسرائيليين قد توصلوا الى ادراك ان وضعنا السياسي في اسوأ حالاته. وهم يسألون أنفسهم ماذا نخسر؟ ويتوقعون ان يفيق قادتهم ويفعلوا فعلا قبل ان ينشأ اتفاق دولي جارف على ان اسرائيل تحولت من "جزيرة استقرار" الى جزيرة عدم يقين (بما تريد احرازه) وجزيرة عدم فهم لحدود القوة.
إن القيادة الاسرائيلية معدومة الشجاعة ومعدومة الفهم ومعدومة الاحكام. اليكم تذكيرا من الايام الاخيرة: بعد وقت قصير من نشر النبأ عن اتفاق المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية، هب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ليدلي باعلان لشعبه ولأبو مازن وللعالم: الاتفاق – إما معنا وإما معهم. وسارع بعده ايضا وزير الدفاع اهود باراك (الذي هاتف الامين العام للامم المتحدة!)، ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان الذي اقترح فرض عقوبات على السلطة، ووزير الاتصالات موشيه كحلون الذي اقترح ضم اراضي الضفة الى اسرائيل.
وقف في مقدمتهم جميعا هذه المرة الرئيس شمعون بيرس. فقد توجه الزعيم الذي خط رؤيا "الشرق الاوسط الجديد" (وفحواها ان المصالح الاقتصادية فوق القومية ستسبب الحفاظ على السلام في المنطقة)، الى أبو مازن بدعوة شخصية تقول: "توحدوا من اجل السلام ولا تصنعوا وهْم وحدة لن تُمكّنكم من التحرك الى أي مكان". قال، ولم ينظر نحو نتنياهو – باراك – ليبرمان، وهم الثلاثة الذين لا يتحركون الى أي مكان منذ سنتين كاملتين.
لم يفكر الرئيس ولا أحد من متحدثي الحكومة في الانتظار قليلا والفحص عما سيحدث اذا تم التوقيع على الاتفاق. ربما يكون شيئا حسنا وربما يكون شيئا سيئا وربما لا يحدث شيء ذو شأن. أغلقوا النوافذ قبل كل شيء، وأنزلوا الستائر واطفأوا الاضواء وأصبحوا مثل عميان يتحسسون الطريق في الظلام.
وفي الحقيقة هذا ما يعرفون صنعه، أعني الانغلاق والتحصن، والتهديد والتخويف. الشرق الاوسط يتغير إزاء أعينهم ويهنئون أنفسهم لحسن حظهم لاننا ما زلنا ليست لنا اتفاقات سلام مع الفلسطينيين ومع سوريا.
لن تسمعوا وزيرا كبيرا يقول انه برغم ان اتفاقات السلام مع مصر والاردن لم تنتج شرقا اوسط جديدا، فان نزع السلاح في سيناء وقوة اردنية وراء النهر أفضل لاسرائيل من وضع عدم السلام بكثير. ففضلا عن ان القيادة الاسرائيلية غير قادرة على التفكير خارج الصندوق في كيفية تقديم السلام فانه في الصندوق الاسود للطائرة التي لا تنقلها الى أي مكان قد أُعلم الهدف وهو "عدم اضاعة أي فرصة لاضاعة الفرص".
اجل، يا ويلنا، تبادلنا الأدوار. أين نحن وأين الفلسطينيون. لم تنقض سنين كثيرة كي ننسى: أن الحرية والاستقلال محفوظان لجميع الشعوب التي تريدهما وتحارب من اجلهما. هذه الحقيقة الساذجة قررت ماضينا وستظل تقرر مستقبلنا في الشرق الاوسط.
ما يوجد لنا سيكون للآخرين. حدث هذا ويحدث وسيحدث في كل مكان في العالم. هذه اهانة للاسرائيليين الذين انصرفت عيون قادتهم عن رؤية حقيقة بسيطة. وهم يوهمون انهم يستطيعون تغييرها. قد يسجننا ذلك في أكبر غيتو كان قط بدل "فيلا في غابة".

السابق
تقلص مجال المناورة
التالي
عودة معظم العائلات السورية الوافدة وحركة طبيعية على المعابر