السلطانة والوالي

يحكي في زماننا أن أحد الولاة الصغار من جماعات الدبابير والدنانير كان يراود نحلة في قفير من الورد والشوك وهي ترف جناح الأمومة فوق سراج من سُرُج البيت – ويُحكى أيضاً أنه كان يبيع البيض وبعضاً من حليب كامل الدسم في أسواق النساء. وبعد ان إعتمر عمّة من خيش شاميٍّ منح إسماً خاصاً ودفتر مرور الى كل الجهات المستورة والمكشوفة وعلى عجل منه ومن غير دراية بأحوال الولاة والوعاظ ومشايخ الفضة والذهب وصوفية كانت من عدّة الدور والوظيفة أدخل أبو سلطانة شيخ القرية الى بيته ومدّ له بساطاً من القربة والمودة وفرش الشيخ عباءته الحريرية والملونّة مثل أفعى تتلوى في عزّ الحر وغفا طويلاً على اريكة البيت المضيف وسرعان ما بدأ التسلل الى الغرف المقفلة بمفتاح اجتاح فيه كل المحرمات واسقط فيه كل ستر وكشف من خلاله عن عورة العفة التي يلف عليها أمتاراً من الأقمشة الغالية الثمن . كانت سلطانة تدرس أولادها بعضاً من الآيات والأحاديث وتعلمهم أخلاق الأنبياء والأولياء ولم تكن تعلم ان الشيطان سيزورها يوماً بجبّة وعمامة وبلسان عربي فصيح ولم تكن تعلم أن اقراص الحلوى قد دُسّ في سدورها سُمَّ شيخ شيطاني فغواها سريعاً وعلقت بحبال المال كما تعلق الحشرة في شبكة العنبكوت في زاوية بيت مهجور غوى الوالي المرأة وسحرها وما زال يسحر آخرين ذكوراً واناثاً بلطافة الحديث ونزاهة الخلق وتواضع متقن لفنّان يكتب السيناريو ويمثل الدور ويضلّ الكثير من المشاهدين البسطاء الذين ينظرون الى ثوب الدين كمنظّف ومطهّر لخفايا مرتديه . أبو سلطانة كان يدرك الدين مساحة مفتوحة على الناس والله ، وكان يؤمن أن من يلبس ثوب الدين ويتحدث باسمه قد نذر نفسه لله وعياله، لذا لم يستوعب في البداية ما حصل وما بدر من شيخ يشبهه الشيطان، فغسل وجهه بماء الحقيقة وعندما قرأ الأحاديث والمرويات (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) والمروي ( ثلاث مهلكات ، شُحٌ مطاع وهوى متّبع وإعجاب المرء بنفسه) ويلزم من ذلك ان نفر من هؤلاء حتى لا نتلوث بجرعتهم ولا نكتسب أخلاقهم ومن الناس قوم حلُ اللسان خراب الجنان إذا تكلم في شأن الدنيا يعجبك قوله فيها لرونقه وإذا قيل له اتق الله عما أنت عليه من الفساد أخذته العزة والحمية والأنفة بسبب الإثم الذي ارتكبه فلا ينزجر عن غيّه. فمنهم من زينو ظواهرهم وخربوا بواطنهم، وظاهرهم جميل وباطنهم قبيح إذا تكلموا في الدنيا أعجبك قولهم وراقك منظرهم ، وإذا تكلموا في الآخرة أخذتهم الحُبسة والدهشة، وفي بعض الكتب المنزلة أن من عباد الله قوماً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر يلبسون للناس جلود الظأن من اللين يجترّون الدنيا بالدين يقول المولى عز وجل أبيّ يعترّون أو عليّ يجترؤون حلفت لأسلطنّ عليهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران. ومنهم من زينوا بواطنهم وخربوا ظواهرهم عمروا قلوبهم بمحبة الله وبذلوا أنفسهم في مرضاة الله ، قلوبهم في أعلى علييّن وأشباحهم في أسفل سافلين فأولئك المقربون ولذلك كلما وضعت نفسك أرضاً أرضاً سما قلبك سماء سماء وكلما نقص من حسك زاد في معناك.

السابق
علي ياسين: لتشكيل الحكومة او الرحيل والبحث عن بديل
التالي
“أمل” أحيت الذكرى السنوية لشهداء مواجهة كوثرية السياد