جمعة الزفاف

النظام لا يخشى من يوم الجمعة، بل هو اختاره بالذات يوما للنزول بنفسه الى الشارع، وقرر ان يقدم خلاله هدية جديدة الى الشعب، ترفّه عنه وتسليه في اوقات فراغه، وتفتح بين فئاته وطبقاته حوارات خفيفة وظريفة، عنوانها التقاليد والاعراف والرموز والالوان، وحتى الاطعمة والحلويات.

النظام يعطي شعبه فرصة للاحتفال، لا للغضب او التحدي: لا صلاة في يوم الجمعة، بل مجرد تمتمات خجولة يرددها شاب وفتاة امام رجل دين وقور وهادئ، فتسمعها الملايين في البلاد وتنقلها وسائل الاعلام الى مختلف انحاء العالم، فيكون ذلك ايذانا بعقد قران جديد بين العرش وبين الشعب، ويتم تبادل التهاني بذلك الميثاق الاجتماعي والسياسي، وتلتقط الصور التذكارية، وتنظم المآدب وحفلات الرقص والغناء حتى ساعات الليل المتأخرة.

هي صورة محببة ومتجذرة للنظام، الذي يعرف جيدا حدوده الدستورية، وفكرة جذابة للشعب الذي يتوق دائما الى حديث مسائي لطيف قبل ان يخلد الى النوم، بانتظار فجر جديد للمملكة المتحدة، وللملكية المتواضعة، التي التزمت منذ ثمانية قرون بالتحديد بمواد ذلك العهد التاريخي الذي حوّل القصر من قاعدة للاستبداد الى قاعة للاستقبالات والاحتفالات، وحوّل الشارع الى مكان للاتفاق او الافتراق مع حكام يختارهم بنفسه ويخلعهم بنفسه… من دون ان يطلب الاذن مع الجالس على العرش او من ورثته.

مع نهاية يوم الجمعة، كان النظام قد زاد شعبيته واكتسب شرعية اضافية، ورسم لنفسه ولبلده وللعالم لوحة ملونة تضم وجوها شابة جميلة تعلوها الابتسامات، وكان الشعب قد رسخ في ذاكرته انه هو النظام، وهو صاحب القصر، وهو صانع اللوحة، وهو منظم حفل زفاف ابن الحاكم الذي يستطيع في اي لحظة ان ينزل الى الشارع ويصافح المارة ويستدعي تصفيقهم، ويذكرهم بوالدته التي تحولت وفاتها الى قصة تراجيدية… من فتاة جذابة بسيطة من العامة، لن تغادر الشارع ولن تبتعد عن الانظار، ولن تطلب من زوجها الشاب الاختفاء في قلعة محصنة، خوفا من غضب الناس او مطالبهم.

كان عرسا اسطوريا، فقط لانه ينتمي الى القرن الثالث عشر، يستمد بهجته من وثيقة «الماغنا كارتا» التاريخية التي علّمت العالم كله ولا تزال كيف توضع الدساتير من دون ان تكتب، وكيف تبنى الديموقراطية من دون ان تخرب، وكيف يصير صاحب العرش خاضعا او خادما او مسليا لشعبه، بدل ان يعلن نفسه وصيا على شعبه ويخضعه لمزاجه
الشخصي او لحكمه الفردي.

كان العرس فرصة لقياس الزمن الذي قطعه ذلك الشعب قبل ان يحصل على هذا الحق بالترفيه والتسلية، ولحساب المسافة التي قطعها النظام قبل ان يسلم بانه مجرد رمز او علم… وقبل ان يشهد العالم كله بان للحاكم وظيفة اخرى احلى من الحكم. كان العرس فسحة عابرة من ايام الجمعة العربية الحزينة التي لا تحمل سوى الدماء والخراب.
عندما قال وليام وكايت «نعم»، كان عرب كثيرون يصرخون: لا !

السابق
الراي: أسئلة استباقية عن الخيار الاحتياطي بالهروب إلى…الحرب
التالي
رحيل الأب سليم: الجنوب يغير وجوهه