بين صلاحيّات الوزير ودور الحكومة، أين أخطأ الشامي؟

أثار طلب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال علي الشامي من مندوب لبنان في مجلس الأمن نواف سلام، عدم الموافقة على مشروع بيان يدين الأحداث في سوريا،عاصفة سياسية.

عاصفة ليست الاولى التي يتعرض لها الشامي، بدءا من أحداث ساحل العاج وانتهاء برفضه استدعاء السفير السوري علي عبد الكريم علي لاستيضاحه الاتهامات السورية لأحد نوّاب كتلة "المستقبل" جمال الجرّاح، في شأن التورّط في حوادث الساحة الدمشقية.

في السياسة، لم يوفّر نوّاب تيار "المستقبل" في شكل خاص وقوى 14 آذار في شكل عام، الشامي من سهام انتقاداتهما، متهمين إيّاه بـ "التفرُّد" في التعليمات، من دون تنسيق الامر مع رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، أو مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ومشددين على أنّ "تصرّفه هذا يعتبر تجاوزا لمرجعية وزير الخارجية في حقبة تصريف الأعمال المتمثلة برئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال".

واستحضرت هذه القوى ما سبق ان تذرّع به الشامي لعدم استدعاء السفير السوري في بيروت، على غرار ما فعله في ظروف مماثلة مع سفيرة الولايات المتحدة الاميركية مورا كونيللي، على خلفية زيارتها النائب نقولا فتوش في زحلة، إذ انه اعلن حينها أنّ الامر يتطلب عقد جلسة لمجلس الوزراء.

إنتقادات دفعت "الجمهورية" إلى الوقوف عند رأي الجهات المعنية، بالإضافة الى عدد من الاختصاصين في القانون الدولي، بغية جلاء حقيقة موقف الوزير المذكور ودستوريته.

أوساط بعبدا وبسترس

وفق الأوساط القريبة من قصر بعبدا، انّه "في المواضيع الدقيقة لا يستفرد وزير الخارجية عادة في اتخاذ قرار فيها". إلا انّ "السقوف تم الاتفاق عليها في البيان الوزاري للحكومة، لطريقة التعاطي مع ملف العلاقات الدولية للبنان".

ولم تؤكد هذه الاوساط موافقة سليمان او امتعاضه مما قام به الشامي. فمهمة وزير الخارجية، في نظرها، "هي إعطاء تعليماته الى السفراء، ومن الطبيعي ان يكون موقف سفير لبنان ضد إدانة سوريا".

وزارة الخارجية والمغتربين تعتبر نفسها "ام الصبي". ففي أدبيّاتها انّ "اتفاق الطائف نَقلَ السلطات الى مجلس الوزراء، ما يعني انّ كل وزير اصبح سيّد وزارته". فوزارة الخارجية لديها اصحاب الاختصاص التقني، وهي تتولى تحضير ملفات لمجلس الوزراء لمناقشتها، فقط القرار السياسي يتخذ في مجلس الوزراء. لكن ذلك لا يعني انّ الوزير لا يستطيع القيام بأي قرار، فهو" ليس بساعي بريد".

وفي المعلومات، انّ الاعتراض على قرار الشامي "حصل على الشكل، وليس المضمون"، وانّ "تجاوز الصلاحيات اصبح مثل "قميص عثمان".

وعلى رغم أنّ لبنان يمثل المجموعة العربية وليس نفسه فقط في مجلس الامن، فهو ليس في وارد انتظار الإجماع العربي حيال سوريا، فهو يتخذ موقفه بناء على مصالحه الخاصة، طبقا لمصادر وزارة الخارجية، نافية وجود ازدواجية في موقف الدبلوماسية اللبنانية من مقاربة موضوعي ليبيا وسوريا. وحاولت التفريق بين "العقيد معمر القذافي الذي استخدم السلاح ضد شعبه، وهو سبق أن قام بتغييب اهم رموز الطائفة الشيعية في لبنان، في حين أنّ نظام الاسد بدأ بتبنّي خطوات إصلاحية".

وفي موضوع ابيدجان، تحدثت عن "عملية تشويه للحقائق". فمصلحة الجالية اللبنانية كانت تقتضي ان يقف لبنان الى جانب لوران غباغبو، لذلك حضر سفير لبنان علي عجمي حفل التنصيب في 2 كانون الاول الماضي، لأنّ ميليشيات الأخير كانت تسيطر على الارض، وبالتالي، فإنّ موقفنا جاء لحماية جاليتنا". ولم تجد الدبلوماسية اللبنانية في سلوكها هذا ما يناقض الشرعية الدولية، ففي 5 كانون الاول وافق مندوب لبنان على البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الامن، والذي تمّ في الاعتراف بالحسن واتارا رئيسا شرعيا لساحل العاج.

بَيت الوسط

إلاّ أنّ تبريرات أوساط قصر بسترس لم تَنطل على بيت الوسط. وهو ما بدا واضحا في أوساط رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، التي لفتت الى أنّ "رئيس مجلس النواب نبيه بري أعطى وديعته في الحكومة التعليمات، في محاولة منه لإحياء سياسة الترويكا، وكان الأحرى به ان يكون في مجلس الوزراء ويمارس السلطة التنفيذية، الى جانب سلطته التشريعية".

ونفت إطلاع رئيس الجمهورية على المشاورات التي أجريت، إذ لم يصدر اي تأكيد من قبل رئاسة الجمهورية في هذا الصدد. وأعادت التذكير بما جرى في وقت سابق، حيث امتنع الشامي عن استقبال نظيره الفرنسي برنار كوشنير، بحجة أنّ بري كان سمع كلاما من كوشنير في باريس لم يعجبه.

القراءة الدستورية

دستوريا، تباينت وجهات النظر حول حجم الصلاحية المعطاة لوزير الخارجية. إذ لفت احد المتخصصين في القانون الدولي، والذي فضلّ عدم الإفصّاح عن اسمه، الى انّ "قيام وزير الخارجية بتوجيه تعليمات الى اي سفير، لا يستلزم انعقاد جلسة لمجلس الوزراء".

لكن في حال "كنا في صدد السير بسياسة جديدة او مغايرة لموقف الحكومة، يتعين استشارة مجلس الوزراء". وفي المبدأ، فإنّ البرقيات يجري تداولها بين السفير والوزير، "وعند مناقشة مجلس الأمن لأي بيان رئاسي لا يتطلب الأمر وجود قرار، وما جرى فقط هو مناقشة للملف من خلال مشاروات، قد تفضي الى توافق او لا".

لكن لأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور غسان العزي موقف مغاير، حيث "انّ السفير اللبناني في الأمم المتحدة هو ممثل للدولة وليس لشخص وزير الخارجية". وكان "ينبغي على الشامي إطلاع رئيس مجلس الوزراء على الأمر، فليس جائزا أن يتصرف منفردا". ووفقَ العزي "انّ موضوعا بهذه الاهمية، يتطلب إجراء مشاورات، فرئيس مجلس الوزراء هو الرئيس المباشر للوزير، وليس رئيس الجمهورية." في الشكل، "كان يقتضي بوزير الخارجية التشاور مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، فإذا لم يلتمس تجاوبا منه، بإمكانه حينها تبرير موقفه بأنه سعى ولم يَأتِه الرد". واعتبر العزي "انّ موقف الشامي سياسي بامتياز، وليس قانونيا. فالقوى السياسة اعتادت في لبنان الاحتكام الى القانون حين يكون لصالحها، أمّا عندما تتعارض مصلحتها مع القانون، فهي تضرب عرض الحائط به ".

موقف العزي يلاقي رأي أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور سامي سلهب، الذي شدد على انّه "وفق المادة 65 من الدستور، تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. ومن صلاحية مجلس الوزراء، وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، وفي إطار هذه السياسة العامة تدخل السياسة الخارجية".

وأشار سلهب الى أنّ من "مهام وزير الخارجية أن يقوم في إعطاء التعليمات لسفراء لبنان المعتمدين في الخارج. فالعلاقة بين سفراء لبنان في الخارج، سواء أكانوا في منظمات دولية او في اي بلد آخر، تكون مع وزير الخارجية".

غير انّ صلاحيات وزير الخارجية، هي ذات طابع وظيفي. بمعنى انّ السفراء يتبعونه وظيفيا. أمّا في ما خص رسم السياسة الخارجية، فإنّ المادة 65 هي واضحة ولا لبس فيها، فالسطة تعود الى مجلس الوزراء.

لقد علّم وزير الخارجية، أثناء تدريسه مادة "الدبلوماسية" في الجامعة اللبنانية، أنّ "هناك هرمية في العمل الدبلوماسي، بمعنى ان السفير يجب ان ينفّذ قرار وزير الخارجية، الذي عليه ان ينفّذ قرار مجلس الوزراء، أي سياسة الدولة، وبالتالي يتعاطى الوزير مع السلك الدبلوماسي وفقا للقرارات المتخذة من قبل الحكومة".

وبالتالي، على وزارة الخارجية تنفيذ سياسة لبنان الخارجية التي يرسمها مجلس الوزراء، وإنّ اللبيب من الإشارة يفهم.

السابق
طالبانيّة علمانيّة في الجامعة الأميركيّة؟
التالي
«التابلاين» قنبلة موقوتة… منذ النكسة!