الجمهورية:بعثة عاجلة لحقوق الإنسان الى دمشق للتحقيق في الانتهاكات

لم يَجد قرار السلطات السورية "منع التظاهرات تحت أي عنوان كان"، أيّ صدى عند المتظاهرين "الغاضبين"، فتحدّوا ونزلوا الى الشوارع وسط انتشار أمني كثيف وغير مسبوق. وللمرة الأولى شمل تحرّكهم مناطق وسط دمشق، حيث جوبه بعضهم بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، وفق ما ذكرت بعض الفضائيات ووكالات الأنباء الأجنبية. وقد شملت التظاهرات، امس، مدن القامشلي وحمص واللاذقية وعامودا وإدلب وحماة ودير الزور وريف دمشق، لكن تحرّك المعارضين جاء أقل دموية، قياسا على تظاهرات الجمعة الفائتة.

ولفتت مصادر دبلوماسية مطلعة الى أن "جمعة الغضب" السورية تزامنت مع بروز ثلاثة تطورات: الأول، تصويت مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، غداة فشل مجلس الأمن في الاتفاق على بيان يندد بالقمع في سوريا، على قرار يطلب إرسال بعثة عاجلة الى سوريا للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان، في ضوء مقتل 62 متظاهرا على الاقل أمس في سوريا، وفق ما اعلن ناشطو حقوق الانسان، وإدانة "استخدام السلطات السورية العنف الدامي ضد المتظاهرين المسالمين".

الثاني، الإجماع الأوروبي على فرض عقوبات على دمشق "لتكفّ عن قمع التظاهرات في سوريا وتدفع بالحوار مع المعارضة"، وذلك قبيل اجتماع بروكسل لسفراء الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الاوروبي حول الوضع السوري.

الثالث، نجاح المتظاهرين في كسر قرار وزارة الداخلية السورية بعدم التظاهر، في موازاة نجاح السلطات السورية في عملية المواجهة.

أمّا التطور الرابع فتمثّل في انكشاف دور"الإخوان المسلمون" في سوريا، فبعدما كانوا يؤخرون في مصر بروزهم الى الواجهة، محاولين البقاء في الموقع الخلفي للأحداث الجارية فيها، تاركين للحكومة المدنية ولمجلس القيادة العسكري إدارة الأحداث والبلاد خشية إجهاض حركة التغيير على أن يظهروا بعد الانتخابات، كشفوا عن وجوههم باكرا في سوريا، وتأكّد أنهم القوة الأساسية المحورية التي تحرّك الأحداث في المدن الرئيسية.

وقد تزامن الكشف عن دورهم مع الدور التركي الذي احتضن مؤتمر"الإخوان المسلمون" في اسطنبول قبل أيام، وسمح لهم بعقد مؤتمرات صحافية وبإدلاء تصريحات ضد النظام السوري. وقالت المصادر إنّ اتساع رقعة الأحداث في سوريا لا يعني تزايد عدد المنتفضين، لأن بروز "الإخوان المسلمون" جعل التيار السُنّي المعتدل في سوريا، والذي هو أكثرية في الطائفة وممسكا بالاقتصاد والتجارة فيها، يخشى تطور الأحداث، ويرفض مشروع تغيير النظام. وكانت جماعة "الإخوان المسلمون" أعلنت عبر المتحدث في لندن ربيع سالم أن "الحراك في سوريا ما زال في بدايته وليس في نهايته"، وشدد متحدث باسمها من لندن على "ضرورة توحّد الشعب السوري في كل المحافظات والمدن"، ولفت إلى وجود "استجابات لدى المواطنين في كل المدن السورية للتظاهر".

ورفض إعطاء هذا الحراك "أي طابع ديني أو طائفي"، مؤكدا أنّ "ما يحصل في سوريا مشجّع، ويؤمل فيه".

وقالت المصادر نفسها لـ "الجمهورية" إنه بعد فشل الوساطة التركية، وفي ضوء التطورات التي شهدتها المناطق السورية أمس، تزايدت المخاوف، خصوصا بعد انتقال الوضع من المطالبة بالإصلاحات الى المطالبة بإسقاط النظام، ما جعل أي تسوية مستبعدة. وإذ توقعت فشل الاصلاحات، أعربت عن اعتقادها بأن الأسبوع المقبل سيشهد فرزا للمواقف العربية والدولية إزاء الأحداث في سوريا، بعدما كانت حتى الآن غير واضحة وغير حاسمة. وتأكيدا لما كانت ذكرته "الجمهورية" أمس، وغداة زيارة وفد تركي رفيع من ضمنه رئيس جهاز الاستخبارات التركي حقّان فيدان الى دمشق، ذكرت صحيفة "حريات دايلي نيوز" التركية أن "تركيا قدمت نصيحة لسوريا تقتضي بتنفيذ برنامج يشمل إجراءات سريعة لتلبية احتياجات الشعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي الوقت نفسه ناشدت تركيا الحكومة السورية عدم استخدام العنف ضد المحتجين، وفق ما أعلن وزير الخارجية احمد داوود أوغلو.

وذكرت الصحيفة ان الحكومة التركية مستعدة لإرسال وفد آخر الى سوريا لتزويدها خططا إصلاحية على المَديين القصير والمتوسط. الى ذلك، وقّع الرئيس الاميركي باراك اوباما قرارا تنفيذيا بعقوبات جديدة على شخصيات سورية، لم يكن الرئيس السوري بشار الأسد من بينها. وقال مسؤولون أميركيون كبار إن أوباما وقّع أمس أمرا تنفيذيا يفرض عقوبات جديدة على شخصيات سورية واثنين من أقارب الرئيس السوري أحدهما شقيقه العقيد ماهر الأسد . وأضافوا ان "العقوبات لم تستهدف الأسد، لكن قد يتمّ استهدافه فيما بعد". وستشمل العقوبات تجميد أصول وحظر تعاملات مع شركات أميركية.

وأمس، تجمّد تدفق النازحين السوريين الى الأراضي اللبنانية على الحدود الشمالية، وسجلت عودة بعض هؤلاء الى الأراضي السورية عبر معبر وادي خالد. فيما تحركت وزارة الشؤون الاجتماعية عبر دوائرها في شمال لبنان لمساعدة مجموعة من النساء والأطفال السوريين، وإحصاء النازحين واستقصاء أوضاعهم، والإطلاع على حجم المشكلة الناشئة عن حركة النزوح السورية، بالتنسيق والتعاون بين دائرة عكار في الوزارة والمنظمات الدولية المعنية، ولا سيما منها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومنظمة "اليونيسيف" التابعة للأمم المتحدة.

ورفض مسؤول دولي رافق الوفد التحدّث الى "الجمهورية" عن مضمون مشاهداته، وعن حجم النازحين السوريين وعددهم. وقال ان مهمته صامتة الى حين الانتهاء من عملية المسح الجغرافية والإنسانية للنازحين، ليرفعه لاحقا الى الهيئة الدولية. وأوضح ان هناك صعوبات تحول دون الإطلاع على أوضاع جميع النازحين الذين توزعوا على منازل لأقربائهم في بعض قرى قضاء عكار وصولا الى طرابلس. والتقى وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ، أمس، ممثلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة في بيروت تينيت كيلي، يرافقها مسؤول الدائرة القانونية في المفوضية دومينيك طعمة. وتركز البحث في القضايا المتصلة بالنازحين السوريين وسبل مواجهة هذه المشكلة وطريقة التعاطي معها.

وناقش المجتمعون تقريرا تبلّغه الصايغ عن نتائج جولة وفد مشترك من الوزارة والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين برئاسة دايفيد والن والمسؤولين الكبار في مكتب حماية اللاجئين وجوانا نصر من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).

وقال مرجع أمني لـ "الجمهورية" انه على رغم استمرار غياب الجيش السوري وعناصر الهجّانة عن نقاط عدة على الحدود الللبنانية – السورية الشمالية، فإنّ مجموعات من عناصر الجيش اللبناني راقبت المعابر التي سلكها النازحون السوريون بدءا من ظهر امس عائدين الى بلادهم، من دون التدخل معهم لا سلبا ولا ايجابا. من جهة ثانية لم يطرأ اي جديد على صعيد تأليف الحكومة، خصوصا بعد اللجوء الى خيار تعيين وزير محايد لوزارة الداخلية يقبل به الجميع، وخصوصا رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان ورئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون. وبعدما كان هذا الخيار موضع بحث بين سليمان والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي مساء أمس الأول، واصل النائب علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، والحاج حسين خليل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تحركهما، فزارا قصر بعبدا وناقشا مع سليمان سبل حلّ عقدة وزارة "الداخلية" وتوزيع الحقائب الاخرى في الحكومة. وقالت قناة "المنار" إن هذا اللقاء "وُضِع في سياق المصارحة، والبحث الجاد في عقدة حقيبة "الداخلية" وفي توزيع بقية الحقائب، بعدما حسم النقاش حول شكل الحكومة وعدد أعضائها". وأوضحت أن "الأمور ليست معقدة، بل تحتاج الى مزيد من المتابعة والتشاور".

وقالت مصادر القصر الجمهوري لـ "الجمهورية" إن الخليلين لم يحملا اقتراحا معيّنا الى رئيس الجمهورية، وإنهما سألاه عن المخارج الممكنة وناقشاه في سلسلة من المشاريع المتعددة المطروحة. ولفتت الى ان روايات عدة سرّبها بعض الأطراف لكنها غير صحيحة، وان هناك سيناريوهات مطروحة، منها ما يقول ان رئيس الجمهورية يسمّي ثلاثة أسماء لوزارة الداخلية ويختار عون أحدها، وآخر يقول العكس، كأن يسمّي عون ثلاثة ويختار سليمان أحدها، وفي كل الحالات "ما زال الحكي ماشي، ولا شيء ثابتا أو مقررا بعد".

السابق
خريطة طريق أميركية
التالي
الحياة: رئيس الجمهورية فتح الباب لنصف مخرج