من يشعل ربيع بيروت؟

تستمر المراوحة في ملف التشكيل الحكومي، وسط تعطيل متعمد لصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، حيث بات من صلاحية الكتل النيابية تشكيل الوزارة وتوزيع الحقائب والسياسات العريضة للدولة، على المستويين الداخلي والخارجي·
ولكن، سرعان ما يتبادر الى الاذهان السؤال الرئيسي حول قدرة هذا الفريق على ادارة شؤون البلاد بآحادية كما يحاول ان يمسك بدفة الحكم، في وقت فشل في تسهيل مهمة رئيس الحكومة، المكلف من قبله، في تشكيل حكومة انقاذ، وهو جل ما تحتاج اليه البلاد في الوقت الراهن، بغض النظر عن تركيبتها: تكنوقراط أم مزيج سياسي تكنوقراطي!

فعدوى الثورات العربية تتفشى بشكل سريع وتستفحل وتزداد صعوبة استيعابها او قمعها يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، بما ان كل نقطة دم تسفك تجر شلالاً وراءها وتخرج الاحداث من الأطر الديمقراطية الصحيحة والسلمية!

ومع كل الدروس التي اعطيناها لمحيطنا طوال سنوات الحرب، وكل العبر التي استخلصناها حتى اليوم من تجارب اشقائنا، نرى العابثين بأمن واستقرار البلاد احراراً، أيديهم مطلقة لإغراق العباد في مستنقع الفوضى وتعميق الخلافات، حتى لا تترك أي فرصة لالتقاط الانفاس وتحييد لبنان، صاحب الاستقرار الهش، عن آتون الفتن والصراعات الداخلية· فما حقيقة النوايا الكامنة وراء التحركات التي شهدتها البلاد، تحت شعار الازمات الاقتصادية الخانقة وارتفاع اسعار المحروقات وكل ما هو مرتبط بها، وبالشكل الذي حصل؟ فهل حرق الدواليب وقطع الطرق تؤدي الى الحلول المرجوة، أم انها ادوات ضغط؟ لكن الضغط على من؟ على حكومة وحدة وطنية لم تحقق سوى الانقسامات التي عطلت اداءها وجعلتها حكومة تصريف اعمال حتى قبل استقالة رئيسها بالشكل الذي حصل؟ أم ضغط على حكومة قيد التأليف استغرقت حتى اليوم ما يقارب الاربعة اشهر ولم تنجز بسبب حرب الإلغاء السياسي التي يقودها احد الافرقاء، مودياً بالبلاد والعباد الى الهلاك الامني والاقتصادي على حد سواء، في وقت ترك له حلفاؤه حرية المناورة والابتزاز، متجاهلين مصالح الداخل وحاجات الناس الملحة والمتروكة في مهب الإهمال· أضف الى هذه الغيمة السوداء المسيطرة على اجواء لبنان، ملف كيفية ادارة مخالفات البناء والمواجهات الحاصلة مع القوى الامنية وكأن سلطة الدولة هي الدنيا والمستباحة، واصحاب الباطل هم على حق، خاصة وان رفع الغطاء عن المخالفين بقي حبراً على ورق تصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع، مما يشيع أجواء مشحونة في الشارع··

يبقى من الطبيعي أن يشهد الاقتصاد اللبناني انكماشاً بسبب الأوضاع المتفجرة في العالم العربي والتي أقفلت أكثر من متنفس اقتصادي في وجه اللبناني، بدءاً من اقفال الحدود السورية – الأردنية وتأثيرها على الصادرات والواردات، مروراً بجمود الاستثمارات بسبب الانقسامات السياسية الحادّة وما يمكن أن تؤول اليه من حوادث أمنية في ظل غياب أو تغييب سلطة الدولة وهيبتها·

وبانتظار أن تتحمل الأكثرية الجديدة المسؤولية التي حملتها لنفسها، وتلعب الدور المتوقع منها فتسهم بشكل فعّال في تشكيل حكومة إنقاذ، قادرة على معالجة المشاكل المعيشية الملحة التي ترخي بثقلها على كل لبناني مهما كان انتماؤه، وتضبط شارعها بمخالفاته ومواجهاته غير المبررة مع القوى الأمنية، وأخيراً تعطي اللبنانيين فرصة ليلتقطوا أنفاسهم بعيداً عن الحروب الإعلامية التي تخوضها ضد شركاء الوطن والتي لا تخدم قضية لبنان بل تضعف وحدة صفه ومناعته في مواجهة الخطر الإسرائيلي أولاً والانفلات الإقليمي ثانياً، لا يسعنا إلا أن نأمل بالعناية الإلهية لتقي لبنان من السقوط في المجهول، لا قدّر الله!·

السابق
الشرق: شروط التنازل عن الداخلية..عون يطالب بتعهد بتخلية فايز كرم
التالي
عقدة “الداخليّة” قيد خيار ثالث: وزير محايد