من شابٍ لبناني إلى أدونيس

كلما فاض الحبر كتابةً ندُرت الأقلام التي تستحق ان نقرأ ما دوّنَتهُ. كان لنا، كجيل شاب لا يمكنني سوى الادعاء انني منه لا ناطق باسمه، ان نفتتح الجزء الأول من وعينا "الأدبي" على أطروحة حملت عنوان "الثابت والمتحول"، وحسبها انها جرّت أربعة أجزاء.

في يفاعتك كان الكتاب هو المرجع ومقدار التفكير. في زمننا باتت الشهادة العليا تحسب بعدد الكلمات، والنصوص بعدد الأحرف.
أعود في شكل شبه يومي الى افتتاحيتك "نهار" 12 نيسان 2011. يمضي أدونيس الى الروح النيرة كما يدخل الهواء مسام الروح، فكيف بك اذا ما اخترت ان تتوجه الى جيل شاب، يفتقد يوماً تلو الآخر ذوي القيم القادرين على رفده بطموح يخطو به خارج عالم قاتم. تدجّنّا في الانحطاط حتى لم يعد للحلم دافع ذاتي، وبات علينا ان نبحث عمن يأتينا به، ويحضنا عليه، وينتشلنا من حضيضنا. بتنا نرى في كل صرخة انجازاً، وفي كل خطوة إعجازاً. ننسى ان عجزنا الأكبر هو فرط إعجابنا بتفاهات أمور نرى فيها هياكل بنيوية.

حتى الشباب يتلمسون كيف يكونون "طريقنا الى الأكثر إضاءة وجمالاً". ربما كان هذا الدرب قدرنا الذي من أجله نولد. لعلنا استسلمنا، لا اطمئناناً لما "حققنا وأنجزنا"، بل لأننا بتنا أسرى عدم إدراكنا أين نبدأ، ومعرفتنا كيف السبيل الى كسر كل المكبِّلات، او أقله المضي قدماً ونحن نحمل كل هذه القيود.

حتى بيروت التي "تعيش تحت أثقال المسبِّقات من كل نوع"، تبدو وكأنها تفقد معرفتها بسبل بناء مصيرها، او باتت في حاجة الى ان ترزح تحت أثقال الأخطار الداهمة، لتدرك ان شعبها لم يعد تقدمياً، وبات مسيره تراجعاً. ربما هو التدجين على الموت البطيء يفقد الضحايا الشعور بأنهم يذبلون.

بات كل ما لنا خارج سيطرتنا. نفقد تدريجاً كل ما هو حق لنا، وما هو مفتاح لحريتنا. جامعاتنا نسلمها لزعمائنا، و"الوطنية" الوحيدة في ما بينها صارت مسرحاً لرسائل متبادلة، تخطت أوراقها عدد طلابها. 70 ألفاً لكل منهم مشكلة، ولا صوت يعلو فوق صرير البيانات، ونحن نهلّل ونتابع.

"الشاب كيان ليس شعوره بالوجود والحياة مجرّد شعور بالواقع المباشر، أو الملموس، أو المعطى. إنه أبعد من ذلك، هو أيضاً شعور بالممكن، بالمحتمل". لم نعد نشعر بأكثر من عطايا من سبقنا. نبحث معك عن أمل لا يأتي، ونور لا يشع. النفق طويل، ونستمد منك مخرجاً…
رجاءً، دُلَّنا.

السابق
تبديل الكتيبة الاسبانية وقائد جديد للشرقي
التالي
تعدٍّ على عقار للتربية في العباسية