كافيتيريات الجامعة اللبنانية أو البيت الثاني

"نكات"، "مزاح"، "سوق عكاظ"، "عرس قروي"، "لعب ورق"، "كباش"، "أحاديث سياسية، "متابعة المسلسلات"… ولم لا "تبادل النظرات العاطفية". لقطات فريدة متعددة، الجامع بينها واحد، تدور كلها في كافيتريات الجامعة اللبنانية التي تتحول، ولو ساعات قليلة، إلى بيت ثان لكثير من الطلاب. بعضهم يقصدها لتمضية الوقت، وآخرون هربا من الأساتذة و"فظاعة المادة"، وقلة قليلة تعتبرها ملاذا لمتابعة واجباتها الجامعية وما فاتها من مقررات. ويتفق جميع الطلاب الذين التقتهم "الجمهورية" على صعوبة تصور "اللبنانية" من دون كافيتريا. وعلى حد تعبير أحدهم: "أين سنتشاجر؟ على أي طاولة نلعب الورق؟ هل نقف على الطريق لنوزع المناشير؟ من دون الكافيه كنّا مشرّدين!"

أبعد من الصداقة…

"لا يمكن أحدا أن يدرك قيمة الكافيتيريا في الجامعة إلا من اختبر جلساتها وأمضى ذكريات من العمر فيها". بنبرة تنضح حنينا، يروي إيلي عن العلاقة الوطيدة التي جمعته بذلك المكان: "صحيح أنني تسجلت في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، إلا أنني ترددت أكثر إلى كافيتيريا الحرم، فراقتني الفكرة إلى حد أنني بعدما أنهيت تخصصي في علوم الفيزياء، منذ نحو 3 أعوام، أشرف على إدارة كافيتيريا كلية الإعلام في الفنار".

بحماسة متناهية ومسؤولية عالية، تسلم إيلي إدارة الكافيتيريا في كلية الإعلام، وعلى حد تعبيره: "يجب أن تليق بروادها من أساتذة وطلاب وضيوف". لذا، عمد إلى توفير الكهرباء وبعض المقاعد الإضافية، وفي مرحلة لاحقة أحضر المفاجأة الكبرى للطلاب… التلفاز". وما يزيد العلاقة بين إيلي والكافيتيريا غرابة، انها جمعته بحبيبته جويس، ويروي: "خلال وجودي المستمر في الجامعة، نظرا الى ظروف عملي، لفتت انتباهي طالبة كانت تتردد بدورها على نحو مستمر إلى الكافيتيريا كما كان يحدث معي، وبحكم التقائنا الدائم، أصبحنا الآن من أعز الأصدقاء، وقريبا ستصبح خطيبتي".

لعب الورق… من الاستثناءات

أما بالنسبة إلى انطوان أبو خالد، الذي أنهى تخصصه في إدارة الفنادق، ويدير كافيتيريا كلية العلوم للعام الثالث على التوالي، فيعتبر "أن الكافيتيريا صورة مصغّرة عن هوية الجامعة اللبنانية، وهي تضم شبابا من مختلف التلاوين الحزبية والمذاهب الدينية، ومنهم المثابر على الدراسة وآخرون يحضرون كرفع عتب واستجمام". أما عن القوانين التي تحكم الكافيتيريا، فيوضح: "لا شك في أنها تصدر عن رئاسة الجامعة ككل، ومن أبرزها منع إدخال النارجيلة، البزر، الكحول، وكذلك الورق". في هذا السياق، يلفت أنطوان إلى بعض الاستثناءات: "نظرا إلى الضغوط النفسية التي يتعرّض لها الطلاب، سمح لهم مدير الكلية بلعب الورق كمتنفّس وللتمويه".

في ضوء تجربته وخبرته في هذا المجال، يعتبر أنطوان أن الكافيتيريا محطة أساسية من يوميات طلاب "اللبنانية". لذا، لفت إلى "ضرورة ان تتوافر فيها بعض الوسائل الترفيهية التثقيفية". ويقول: "تضم العلوم نحو 3 آلاف طالب، للأسف في معظم الكليات نجد غيابا شبه كامل لألعاب رياضية، أو نشاطات أخرى تحرّك فكر الطالب"، مضيفاً: "من جهتي، نلت الموافقة على وضع 10 حواسيب تفسح في المجال امام الطلاب للتنافس في ما بينهم والتسلية عبر الشبكة الإلكترونية". ويردف قائلا: "في كل الأحوال الأخبار لا تنتهي بين الشباب، وسرعان ما يستعينون بالأغاني وسوق عكاظ حين لا يجدون ما يتحدثون به".

هل من مجال للنارجيلة؟

من جهته، يعتبر الطالب في كلية الحقوق والعلوم السياسية، أن الكافيتيريا حاجة ضرورية، لممارسة النشاطات السياسية والمناسبات الوطنية، فيقول: "قبل أن يُمنع العمل السياسي داخل حرم الجامعة، كانت الكافيتيريا "تغلي" بأحاديث الطلاب ونقاشاتهم، بينما اليوم تعلو الاحاديث الاجتماعية الحياتية اليومية وأحيانا الرياضية". في هذا الإطار، يعرب جان بيار عن أسفه لغياب الزاوية الخاصة بالصحف اللبنانية، مع إلغاء العمل السياسي، "نأسف ان نكون في كلية تدرس العلوم السياسية، في حين لا تتوافر منذ نحو سنتين في الكافيتيريا الصحف والجرائد، علما أن 90 في المئة من الطلاب يرتادونها".

أما بالنسبة إلى الطالب وائل يعقوب، الذي يتابع تخصصه في الحقوق، بعدما تخرج من العلوم السياسية، فيحرص على انتقاء زاوية محدّدة في الكافيتيريا تمكنه من متابعة "الشاردة والواردة"، على حد تعبيره. ويضيف: "طوال السنوات السبع التي أمضيتها في هذه الكلية، لاحظت ان الطلاب يتحدثون عن جميع القضايا وشجونهم، إلا في مسائل الدرس". في هذا الإطار، يطالب وائل الإدارة بالسماح لهم بإدخال النارجيلة: "بما انهم يمنعون بيعها في الحرم، لماذا لا يسمحون لنا بادخالها فقط في أوقات الفراغ، طالما ان ما من بديل لوسائل الترفيه، ومن غير المنطق ان تقتصر الموجودات على المأكولات".

من جهتها، توضح مابل نهرا سنة رابعة حقوق: انها تتابع المقررات في الوقت المناسب، "ولكن لجلسة الكافيتيريا متعة خاصة، وفرصة للثرثرة في ما بيننا"، كما تتمنى عودة العمل السياسي إلى "اللبنانية": "لأن ذلك يشكل غنى للطلاب ويبعدهم عن الأحاديث الفارغة، ومجالا للتمرس بالحوار وإدارة النقاشات السياسية". وتضيف متأسفة: "تفتقر الكافيتيريا إلى بعض المعايير الصحية، لذا نطالب بتزويدها نظام تهوئة للتخلص من روائح الزيت والتدخين".

من الطبيعي ان تستقطب الكافيتيريا العدد الأكبر من الطلاب، ولا سيما انها المجال الوحيد الذي يمكّنهم من التلاقي والتعارف. لكن من غير المنطقي ان تختصر اهتمامات رئاسة الجامعة على منع الكحول، الورق، النارجيلة والبزر. فمتى تصبح الكافيتيريات مساحة للنقاشات السياسية، الفلسفية، ولمتابعة افلام وثائقية، وأخرى ثقافية على نحو يغني أوقات فراغ الطلاب ويحيطهم بالمتعة؟

السابق
تدشين مركز اتحاد بلديات بنت جبيل
التالي
“فاشلون في تربيتنا وتعليمنا”