فضل الله: نرفض الاعتداء على الأملاك العامة ونسأل

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين.
وقال العلامة فضل الله في خطبته السياسية: "لا تزال المنطقة العربية والإسلامية تعيش في ظل لهيب الثورات والاحتجاجات في أكثر من موقع ومكان، هذه الثورات والتحركات التي انطلقت من خلال وجع الناس وحاجاتهم وتوقهم إلى الحرية والعدالة، ولكن كنا ولا نزال دائما نخشى من الخطة الاستكبارية التي تسعى جاهدة للالتفاف على هذه الثورات، وتجير حركتها لحساب مصالحها، التي لم تكن ولن تكون لحساب الناس ولخدمة منطلقات هذه الثورات وطهرها. ولذلك نرى استنسابية في التعامل معها، فيصار إلى تطويق بعض الدول والمواقع، ويبدأ التصويب عليها ميدانيا وإعلاميا، بينما تترك الشعوب في مواقع أخرى لمصيرها، تحت وطأة آلة القمع والهدم التي لا توفر حتى المساجد ودور العبادة، فيما تتحرك الوساطات في مواقع ثالثة تبعا للمصالح العليا لهذه الدولة أو ذاك الموقع الدولي، بعيدا عن خيارات الشعوب الثائرة".
أضاف: "وسط هذا المشهد، يقبع الكيان الصهيوني في دائرة الحماية والحصانة، ليأخذ حريته في مزيد من عمليات الاستيطان، وفي الاعتداء على المواقع الدينية الفلسطينية تدنيسا وحصارا، وفي عمليات القتل والاعتقال المتواصلة، والتي بدأت تأخذ أبعادا جديدة، ومع ذلك كله، فهو مطمئن إلى أن المساءلة الدولية تحت عنوان محكمة الجنايات، أو من خلال مجلس الأمن، لا يمكن أن تقترب منه، حيث يغدو ذلك خطا أميركيا وأوروبيا أحمر، لا يمكن حتى للأمين العام للأمم المتحدة أن يقترب منه، فضلا عن أن يفكر في فتح ملفه، ولذلك فهو يصوب على المقاومة في تقاريره المعدة سلفا ضدها، وكذلك على مواقع الممانعة، ليمهد السبيل لتدخل أمريكي وأطلسي قادم إلى قلب قضايا المنطقة وملفاتها".
وتابع: "إننا في الوقت الذي ندرك حجم حاجة الشعوب العربية والإسلامية إلى إصلاح حقيقي وتغيير سياسي واقتصادي واجتماعي شامل، نريد لهذه الشعوب أن تكون في قمة الوعي والمسؤولية لكي تمنع بكل الوسائل أولئك الذين يعملون على خطف هذا الواقع العربي وإدخاله في أتون الفتن الطائفية والمذهبية والعشائرية والمشاريع التقسيمية، ومن ثم الالتفاف على مواقع المقاومة والممانعة بطريقة وأخرى، والاستفادة من وجع الشعوب وآلامهم، لإيقاعهم في أوجاع أخرى تكون أكثر إيلاما". ودعا العلامة فضل الله "الشعوب العربية، ولا سيما الشباب، إلى أن ينتبهوا إلى أنهم يعيشون في عالم فيه الكثير من الذئاب والشياطين الصغار والكبار الذين يعدون ويمنون وما يعدون إلا غرورا، الذين يعرفون كيف يخدعون الآخرين لتحقيق أهدافهم"، وقال: "إننا نريد للشعوب والحركات الأصيلة التي تطمح إلى التغيير بعيدا عن الوصايات القادمة من هنا وهناك، أن تلتفت إلى هذه الخطة الدولية المحكمة التي لا يهمها مسألة الحريات ولا حقوق الإنسان ولا عناوين الديمقراطية، وإن تلطت خلف هذه الشعارات، بل تسعى للتدخل في كل تفاصيل حياتنا، لحياكة أوضاع جديدة تحاكي طموحاتها في زمن المتغيرات.. ونريد للمسؤولين الذين أخذوا على عاتقهم الذهاب إلى الأمام في عمليات الإصلاح، أن يقوموا بمبادرات عملية تقطع الطريق على الغرب المتآمر، وعلى كل من تسول له نفسه تسلق هذا الحائط لإحداث عمليات اضطراب وفوضى في طول المنطقة وعرضها".
وقال: "إننا عندما نتطلع إلى كل هذا المشهد من ليبيا، حيث يدخل الحلف الأطلسي على الخط ليرسم حدود المسألة كلها، إلى البحرين حيث تتواصل عمليات الضغط والقمع في مواجهة مطالب شعبية سلمية، إلى اليمن حيث تمعن الخطة الدولية في الدخول بكل مفاصل الوضع، إلى التحركات الأخيرة في سوريا..ندعو الحكام، كل الحكام، إلى فتح الحوار مع شعوبهم خدمة لأوطانهم وشعوبهم لمنع كل الذين لا يريدون خيرا بالعرب والمسلمين من النفاذ من خلال هذه الهوة وانعدام الحوار".
اضاف: "في هذا الجو، ننظر بإيجابية إلى المصالحة الفلسطينية الداخلية التي نريدها أن تبنى على أساس متين هو خدمة الشعب الفلسطيني وحفظ قضيته، كما نريد للفلسطينيين أن لا يستمعوا إلى تهديدات العدو الذي حاول أن يخير السلطة بين السلام معه والسلام مع حماس، وأن يستمروا في خط المصالحة العامة التي لا بد من أن تكون شاملة لترسخ السلام الفلسطيني الداخلي في مواجهة الاحتلال الصهيوني وعدوانه المستمر.. فيكفي الشعب الفلسطيني آلامه الخارجية والكثيرة".
وعن الوضع في لبنان قال فضل الله "أما لبنان، الذي يغرق في فوضى الفراغ الحكومي، فما زالت حال الفوضى تخيم على أجوائه، والتي تتمثل في أحد مظاهرها بالاعتداء على أملاك الدولة، وهذا التطاول على المشاعات العامة الذي يلقي فيه كل فريق التهمة على الفريق الآخر، في عملية هروب إلى الأمام يدفع البلد أثمانه مضاعفة، بينما يتوارى الجميع خلف تبريرات لا يمكن تمريرها أو السكوت عليها بحال من الأحوال..ونحن في الوقت الذي نؤكد فيه على رفض الاعتداء على الأملاك العامة رفضا قاطعا وحاسما، نسأل الدولة عن السبب في كل ما يحصل ولجوء الناس إلى هذا الخيار في ظل الفوضى السياسية والفراغ الرسمي المستمر والهروب من دائرة المعالجة والاهتمام بالواقع الاجتماعي إلى التلهي بالسجالات وصولا إلى متاهات الفقر والعوز والحاجة التي جعلت المواطنين يلجأون إلى هذه الخيارات".
ورأى "أن هذا الإصرار على مواجهة ما يجري من حولنا بمزيد من التراشق الكلامي والسجالات المفتوحة على فراغ حكومي بدأ يهدد البلد في قضاياه وملفاته الحيوية، يمثل خيانة للأمانة التي ائتمن عليها الجميع، كما يمثل هروبا من الالتزامات الوطنية الكبرى والهموم الاجتماعية الضاغطة التي أخذها المسؤولون على عواتقهم عندما وضعوا أنفسهم في مواقع المسؤولية. ولذلك فعليهم الخروج من هذه الدائرة القاتلة، وهذه المراوحة في المجهول التي لا تسقط فريقا بعينه أو مسؤولا أو حزبا أو فئة، بل تسقط البلد كله، من حيث تجعله رهين الحسابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة".
وأشار الى "ان هذا الواقع الذي يتحلل فيه الوسط السياسي من مسؤولياته وواجباته، استطاع أن يأكل كل طموحات العمال في العيش الكريم بعدما أنهى طبقة التوازن المتوسطة، فصار الفقراء أكثر فقرا والأغنياء أكثر غنى، وأن تفاقم الأوضاع المعيشية، فوصلت إلى حدود الكارثة، ويزيد الوضع اشتعالا في ارتفاع سعر البنزين الذي أحرقت أسعاره كل الوعود السابقة، ودخل في متاهات الضغط الكبير على كاهل العمال والمحرومين والكادحين"، مؤكدا "ان البلد دخل في الحلقة المفرغة القاتلة اجتماعيا، وأدار الجميع ظهورهم للشعب المقهور المغلوب على أمره، وفي ذلك الخيانة والخسران. وقد قال الامام علي "أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأفظع الغش غش الأئمة". وختم فضل الله:"لذلك نقول للجميع صارحوا هذا الشعب وقولوا له الحقيقة كي يعرف هذا الشعب كيف يكيف أوضاعه، وأن يقول كلمته.. كفاكم استغباء لهذا الشعب الذي يعرف بأنه من أذكى شعوب المنطقة".

السابق
المكتب العمالي ل “امل”: لنبذ الخلافات وبناء جسم نقابي متعاف
التالي
أسامة سعد استنكر اعتقال شباب من حملة اسقاط النظام الطائفي ومحتجين