عون “يَترحّم” على سعد الحريري!

ارتفع منسوب التوتّر في مؤتمرات "الجنرال" الصحافية. مع انه كان أكثر هدوءا بعد اجتماعات "التكتل" أيام حكومة الرئيس سعد الحريري، قبل أن يصبح اختصاصها "تصريف الأعمال".

في جلسته في الرابية قبل أيام، طرح الحاضرون سؤالا: هل كان إسقاط سعد الحريري مكسبا لنا، أم انّ حسابات الحقل اختلفت عن حسابات البيدر، فتحوّل الإسقاط عبئا علينا؟

في "الغَيب" لا في "الجَيب"

الشعور الغالب أن المعارضة السابقة استعجلت على الحريري قبل تأمين البدائل بوضوح. هي لم تكن تملك رؤية للظروف التي ستتحكم بعملية تأليف الحكومة الجديدة، لا محليا ولا إقليميا. كان همّها إزاحة الحريري. فأي وضع آخر مهما كان سيئا سيكون أفضل. وعندما فشلت المعارضة في إيصال عمر كرامي، قبلت سريعا بنجيب ميقاتي على أساس أنه "في الجَيب". فلا هو قادر على الإفلات من خيط العلاقة الرفيع مع دمشق، ولا الغالبية الجديدة تستطيع ذلك، اطمئنوا.

"الجنرال" لم يكن مطمئنا لهذه النظرة أساسا، وقال غير مرة إنهم لو أخذوا بخياري وسمّوا محمد الصفدي لكنّا اليوم مرتاحين.

ميقاتي اليوم ليس "في الجَيب"… إنه "في الغَيب". وميقاتي الثاني 2011 لم يختلف عن ميقاتي الأول 2005. "الوجع" بينهما بدأ قبل ست سنوات. فميقاتي هو رئيس حكومة "الاتفاق الرباعي" التي عزلت عون، والتي صاغت قانون الانتخابات على هذا الأساس.

الصلاة والصوم على سعد!

يقول "الجنرال" للقريبين منه: "الصلاة والصوم" على سعد الحريري. كنّا نخوض معركة حقيقية مع خصم سياسي. نعلن مواقفنا ونطرح مطالبنا ونواجهه ونتقاتل معه. وفي النهاية نعرف ما يريد الحريري وفريقه، وما هو السقف الذي يصل اليه. فعندما شكّلنا الحكومة الأخيرة وفقا للتوازنات بعد انتخابات 2009 واتفاق الدوحة، أجرينا مفاوضات مع الحريري، ولم نستطع تحقيق افضل ما يمكن. ولكن الظروف كانت مختلفة آنذاك، والغالبية لم تكن معنا، والحريري كان هو المكلف بتأليف الحكومة. لكننا اليوم أسقطنا الحريري، وجاء رئيس الحكومة المكلف، بتسمية منا، يفاوضنا ويفاوض عنّا وعن رئيس الجمهورية. لم نعد نعرف: هل ان ميقاتي افضل لنا أم انه كان الأفضل استمرار حكومة الحريري حتى تنضج ظروف التغيير؟.

لا تبالغوا!

بعض المقربين من عون يحرصون على مقدار اكبر من الواقعية: دعونا لا نذهب إلى تقويم مبالغ فيه. فمجرّد سقوط الحريري أزاح كتلة كبيرة من أمامنا، ومعها كامل فريق 14 آذار. هذا يسمح لنا بالسيطرة على ثلث الحكومة، كتكتل. ونحن اليوم في افضل وضع تفاوضي. ولو كانت الظروف تسمح بولادة الحكومة الآن، لحصلنا على حصة جيدة في الأسماء والحقائب.

ولكن في "التكتل" تتقاطع المعلومات حول الأسباب الحقيقية لتعثّر التأليف. الصراع على وزارة الداخلية ليس سوى مظهر محلي للأزمة، وحصرها بجبران باسيل وزياد بارود ليس سوى تبسيط.

ويقول نائب بارز في "التكتل": الرابية طرحت تسويات لهذه المسألة في الأسابيع الاولى لمشاورات التأليف. فلا بأس بوجود الرجلين في الحكومة، على أن تكون لنا وزارة سيادية. ولا أعتقد ان العقبة الحقيقية امام ولادة الحكومة تكمن هنا، ولو كانت هناك إرادة حقيقية؛ ثمة قطبة مخفية لا نعرف فعلا اين تكمن!

صورة "المحارب"

نقطة القوة التي كان يمتلكها عون في مواجهته مع الحريري في حكومة واحدة، هي انه استطاع استخدام كل منظومة شعاراته في هذه المواجهة: صورة الحرب على المرحلة السابقة التي لم يكن فيها عون في السلطة. أي صورة "الحرب على الفساد وذهنية السيطرة على الدولة"، كما يقول، والتي وصل عون في مراحلها المتطورة الى خرق التحفظات عن انتقاد الرئيس رفيق الحريري كنهج. وهذا الانتقاد يبطن ايضا اتهاما لهذا النهج بالمسؤولية عن إضعاف الدور المسيحي في السلطة. وهذه كرة لعبها "الجنرال" بامتياز منذ عودته الى الساحة. وهي أدّت دورها في الانتخابات النيابية منذ ذلك الحين، ولو انها تراجعت في الدورة الاخيرة، بسبب تحالف "الجنرال" مع قوى تشاركت والحريرية السياسية في مراحل سابقة.

كان "الجنرال"، كما سائر حلفائه، مرتاحا الى انه يتموضع في المعارضة ضد الحريري. فالمعارضة اكثر اجتذابا للقواعد الشعبية من الموالاة. كما انه يتموضع في خانة "الاقلية" النيابية والوزارية في وجه "الأكثرية". والأقلية اكثر اجتذابا للجماهير أيضا، لأنها تستدعي التعاطف مع الضعيف في وَجه القوي.

معركة جبران

وكان "الجنرال" مرتاحا في الحكومة الحريرية، لأنه يحصل على الدعم الفعلي من "حزب الله"، وبه يواجه الحريري و14 آذار. وهو استطاع في ظل هذه الحكومة أن يخوض معركة مع الحريرية لا هوادة فيها، فيما "حزب الله" يحاذر ذلك لحساسيات مذهبية.

واليوم، تنعش "الجنرال" حربه على سعد الحريري، ولو تحت سقف تصريف الأعمال. وفيما يُجيّر جبران باسيل أزمة البنزين الى وزيرة المال، فماذا يمكنه أن يفعل لو كانت الحكومة من لون واحد؟ وفي ظل التصريف أيضا. جسور الأشغال مَدّها وليد جنبلاط إكراما لحليفه الجديد، وتبييضا للوجه مع شعبيته، ومنذ العشاء الاخير في الرابية، الذي كان فيه "ابو تيمور" مصطحبا غازي العريضي فقط، تبيّن أن بين الرابية والمختارة "أشغالا" لتأهيل طريق ورفقة طريق قادرة على مواجهة "تسونامي 2013".

يصرّفان ولا ينصرفان

"الجنرال" ليس مرتاحا في الوضعية "المحيّرة" التي خلقها تكليف ميقاتي. ولكن، ما حصل قد حصل، الحريري يصرّف الأعمال ولا ينصرف، وميقاتي يصرّف الوقت ولا ينصرف.

و"الجنرال" مدرك طريقه، واثق من نفسه… لكنه لا يثق في الظروف وتقلباتها، ولا يستقرّ على شاطئ، لا حريريا ولا ميقاتيا. فعَينه على السراي… وقلبه في بعبدا!

السابق
أيّ «هُويّة» للحراك من أجل الديموقراطية؟
التالي
جنبلاط: رهانات 14 آذار مدمرة.. وأخطاء الأكثرية عبثية