رحيل مانديلا لبنان والجنوب: المطران سليم غزال

هو الأسقف الملكي المخلص الذي نذر حياته في خدمة الإنسان اللبناني وتنويره في كافة المناطق اللبنانية، المسيحية والإسلامية. تاريخه تاريخ طويل من الكفاح المستمر في سبيل الشهادة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين بالإيمان بالله.

إنه المطران" سليم غزال، الذي أسلم روحه عند التاسعة من صباح اليوم بعد شهر من المعاناة مع مشاكل قلبه. قلبه الذي ملأ محيطه حبا وتواضعا ووحدة خلال ثمانين عاما من حياته.

ولد في بلدة مشغرة بالبقاع الغربي في 7 تموز 1931، وسمّي كاهنا في الرهبانية المخلصية في 22 حزيران 1958 ثمّ أبرز نذوره الرهبانية في 28 تشرين الثاني عام 1959.

بدأ حياته الكهنوتية كرسول متجوّل بين رعايا أبرشية صيدا للروم الكاثوليك سنة 1961، وأسس حركة "رسالة الأولاد" في صيدا والجوار سنة 1962 وحركة "شبيبة الطلبة المسيحية" سنة 1963.

مارس التعليم الديني في مدارس صيدا الرسمية والخاصة لسنوات عدة أمام الطلاب المسيحيين والمسلمين على السواء. كما عمل في الحقل الاجتماعي مع المطران غريغوار حداد وسماحة الإمام موسى الصدر في فترة الستينات من خلال "الحركة الاجتماعية"، التي كانت وما تزال من أبرز العناوين الوحدوية والعلمانية القريبة من الدين، في لبنان، على الإطلاق.

ساهم في تأسيس مستوصفات صحية وبرامج مكافحة الأمية. كما اشترك في تأسيس دار العناية الصالحية سنة 1966 مع البطريرك الحالي غريغوريوس الثالث لحام والمطران جورج كويتر وهي مؤسسة للرعاية الاجتماعية والتعليم المهني. واشترك مع غبطة البطريرك السابق نصر الله بطرس صفير في تأسيس رابطة الرسل العلمانيين وخلايا الصلاة ومركز التثقيف الديني واللاهوتي في دار العناية الصالحية..

كان من الدعاة الأوائل لترسيخ صيغة العيش المشترك ومقاومة الفرز السكاني على أساس طائفي منذ اندلاع الأحداث اللبنانية في العام 1975. فبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 وعقب أحداث شرق صيدا انتدبه سينودس الروم الكاثوليك سنة 1985 مدبراً بطريركياً على أبرشية صيدا ودير القمر لمدة سنتين.

كما ناضل من أجل عودة المهجرين الذين تركوا بيوتهم وأرزاقهم في قرى شرق صيدا وإقليم الخروب بعد أحداث نيسان سنة 1985 إلى أن تحققت أمنيته في صيف 1991.

ولا يغفل علينا تأسيسه "حلقة التنمية والحوار" في العام 1990 مع مجموعة من المثقفين، مسلمين ومسيحيين لمتابعة العمل على بناء السلام وتنمية الإنسان والمجتمع، وبعد إنجاز مركزها الخاص سنة 2001 في بلدة مجدليون شرق صيدا انتقلت نشاطات الجمعية إلى هذا المركز الجديد.

تسلم الرئاسة العامة للرهبانية المخلصية لمدة ست سنوات بين عامي 1995 – 2001 . وانتخبه سينودس الروم الكاثوليك مطراناً في حزيران من العام 2001 ثم عيّن معاوناً بطريركياً لغاية العام 2006، وحاليا يشغل مركز رئيس اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي في لبنان.

شارك في مؤتمرات عدّة بين لبنان والخارج من أجل لبنان، دارت حول الوحدة الوطنية اللبنانية وتطوير النظام الطائفي والعيش المشترك، إضافة الى مشاركته في الأيام الرومانية في روما حول العلاقات المسيحية الإسلامية.

إنضم المطران سليم غزال الى مجموعة مرموقة من الشخصيات والقادة العالميين الذين حازوا على جائزة "السلام على الأرض" السنوية للسلام والحرية. إذ منحت هذه الجائزة له "تقديرا لدوره في مدّ الجسور فوق الخلافات العميقة بين مختلف الأديان في لبنان، حيث كانت دعواته الدائمة للحوار والتلاقي وإحترام الآخر"، حتى لقّبه البعض بـ"مانديلا لبنان"..

من أقواله المأثورة كلمة ألقاها في "مؤسسة الامام الصدر" بمبادرة من "مؤسسة أديان"، خلال اللقاء الوطني الرابع للتضامن الروحي لإرساء الحوار بين المسيحيين والمسلمين: "إنّ جوهر رسالة الإنسان، هي أن يعمل دائما في حقلة الرب، وأن يبذل نفسه في سبيل الخير، وبلسمة جراح إنسانية مزّقتها الحروب والنزاعات والأحقاد…".

ومن وصاياه:

– إحترام الكائن البشري والإعتراف بحقوقه الطبيعية التي منحها الله لكل الناس على قدم المساواة.

– نشر العدل في الأرض ومحاربة التسلط والظلم، والإعتراف للآخر بحقّه في الوجود والعيش الحر الكريم.

– حل النزاعات عن طريق الحوار وإيجاد الحلول القائمة على التفاهم والثقة.

"جنوبية" علم بحالته الصحية الحرجة قب أيام، لكنّ المطران كان يفضل ألا يشغل بال محبيه.

في الختام: "طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يدعون".

السابق
القبس: طهران ترتعد في حالة ظهور الإمام الصدر
التالي
لقاء رئيس اتحاد بلديات صور ووفد وكالة التنمية الفرنسية