جنبلاط: رهانات 14 آذار مدمرة.. وأخطاء الأكثرية عبثية

ليس صعباً تلمس إحساس النائب وليد جنبلاط بالقلق حيال ما يجري من حولنا، تماما كما لا يصعب رصد شعوره بالقرف من طريقة سير الأمور في الداخل. يستفزه استغراق الاطراف اللبنانية في صغائر الاشياء، بينما المنطقة تمر في مخاض تاريخي ومصيري، يستوجب سلوكاً من نوع مختلف، يتناسب مع طبيعة المرحلة وتحدياتها.

وإذا كان جنبلاط قد عُرف بخياراته المتحركة، إلا أن ثوابته هذه المرة تبدو واضحة: نعم للحوار، لا للفتنة.. نعم لسلاح المقاومة، لا لحرف وجهته.. نعم للحكومة فوراً، لا للتأخير.. نعم للإصلاح، لا لاستهداف النظام السوري.
ولان ما يحدث في سوريا مفصلي، يرى رئيس «التقدمي» أن من مصلحة الجميع في لبنان، على اختلاف مواقعهم السياسية والطائفية، أن يتجاوز نظام الرئيس بشار الاسد التحدي الذي يواجهه حاليا، بأقل الخسائر الممكنة، «لان سقوطه سيشرع الابواب أمام شتى الاحتمالات، لعل أكثرها خطورة وجدية هو تفتيت سوريا وبعثرتها، ربطا بالمشروع الاميركي ـ الاسرائيلي الأصلي الذي يهدف الى تقسيم المنطقة، على قاعدة مذهبية».
ويحذر جنبلاط من أن النجاح في العبث بتركيبة سوريا وخريطتها سينعكس تلقائيا على وضع لبنان المعروف بهشاشته وضعف مناعته، مشيرا الى أن الدروز في البلدين سيكونون من بين أكبر ضحايا هذه المعادلة، لأنهم سيذهبون «فرق عملة» في أي عملية ضم وفرز يمكن أن تتم.

وإذ ينبه جنبلاط الى أن اسرائيل وأميركا هما الأكثر استفادة وسرورا مما يجري في سوريا، يــشير الى أن واشــنطن وتل أبيب تريدان إغراقها في الفوضى لتحــقيق هدفين، الاول إضعاف دورها الذي يشكــل مصدر إزعاج مزمن لهما في الشرق الاوسط، والثاني التعويض عن اختلال توازنات المنطقة بعد سقوط النظام المصــري السابق الذي كان حليفاً لهما، وبالتالي فهما وجدا الفرصــة مؤاتيــة الآن لترميــم أوراقهــما وتصحيح ميزان القوى من خلال اختراق نقاط الضعف الكامنة في الساحة السورية.
ويشير الى ان هناك «مراهقين» في 14 آذار يتعاملون مع أحداث سوريا على أساس حسابات خاطئة، تصل الى حد الرهانات المدمرة، مضيفا: «أنا كنت معهم وأعرفهم وأعرف جيدا كيف يفكرون، ولذلك أنصحهم بالتروي والواقعية، لأنهم مهما ذهبوا بعيدا في الآمال والقراءات المغلوطة، فلا بد لهم في نهاية المطاف من أن يعودوا الى أرض الواقع، حيث السنة والشيعة جنبا الى جنب في لبنان، وسيدفعون ثمن أي فوضى محتملة»، ملاحظا أن بعض الشخصيات التي لا تنتمي الى الساحة الاسلامية تستسهل أن تحرّض كلا من السني والشيعي على الآخر.

ولكن رئيس «التقدمي» يدعو ايضا البعض في الأكثرية الجديدة الى عدم تكبير أدوار بعض شخصيات 14 آذار في ما يجري داخل سوريا، وتجنب الانجراف خلف سيناريوهات بوليسية غير متينة، معتبرا أن الخفة في تناول مثل هذه المسائل تشكل أكبر خدمة للفريق الآخر.

والى جانب إضاءته على البعد الخارجي للأزمة السورية، لا يغفل جنبلاط عمقها الداخلي، لافتا الانتباه الى أن عدم استكمال الاصلاحات بالسرعة المطلوبة ساهم في إنتاج بيئة ملائمة للتدخل الخارجي ولتحرك الجماعات السلفية، مشددا على أن الفرصة لم تفت بعد من أجل السير قدماً في إصلاحات عميقة وجذرية، «والرئيس الاسد يملك ما يكفي من الجرأة للذهاب حتى النهاية في هذا الخيار الذي من شأنه أن يحصن النظام ويحمي خياراته الاستراتيجية والقومية في مواجهة الاستهداف الاميركي ـ الاسرائيلي».

وفي ملف سلاح المقاومة، يرى جنبلاط أن شعار إسقاط السلاح الذي رفعته قوى 14 آذار وصل سريعا الى أفق مسدود، كما كنا نتوقع، سائلا أصحابه: ماذا بعد، والى أين؟
ويشدد على ان سلاح المقاومة موجود وسيبقى كذلك، فلا أحد في الداخل يمكنه نزعه ولا إسرائيل تستطيع أن تنزعه، وبالتالي ما من منطق أو جدوى وراء خوض معركة عبثية معه. ويتابع: هناك من رفع في السابق الشعار ذاته، وكانت النتيجة مدمرة مع حصول الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 ، علما أن الشعار كان موجهاً آنذاك ضد من كانوا يسمونه بالغريب أي الفلسطيني، فكيف إذا كان الامر يتعلق بالشريك في الوطن.
ويؤكد جنبلاط أن هذا السلاح يمثل الكرامة الوطنية ويجب الحفاظ عليه، ولكن المطلوب في الوقت ذاته، ألا يسبب وجوده نوعا من فائض العنفوان أو الغرور منعا لأي استخدام له في الداخل، لافتا انتباه من يصوّب سهامه على السلاح الى غياب أي بديل مقنع منه في الوقت الحاضر، «بعدما ثبت للمرة الالف أن المجتمع الدولي أعجز من أن يحمي لبنان، وليس أدل على ذلك من ان القرار 1701 لم يتمكن من وقف الخروقات الاسرائيلية أو إعادة بلدة الغجر الصغيرة الى السيادة الوطنية، فيما الجيش محاصر ويُمنع من التسلح الفعال».
ويشدد جنبلاط على وجوب إبقاء أقنية الحوار مفتوحة بين اللبنانيين من أجل مواكبة الاحداث التاريخية التي تشهدها المنطقة، بأفضل الشروط الداخلية المتاحة، مشيرا الى استعداده لإنهاء القطيعة مع سعد الحريري برغم انه ذهب بعيدا في طروحاته، «لان خطورة ما يجري في محيطنا العربي تتطلب الترفع عن الاعتبارات الضيقة وإعادة ترتيب الأولويات»، آخذا على فريق الاكثرية الجديدة ارتكابه أحيانا أخطاء مجانية وعبثية تؤدي الى احتقانات مذهبية غير مبررة.
ويرى جنبلاط أن على الاكثرية الجديدة الاسراع في تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، ذلك أن الفراغ الحاصل يؤدي الى تآكل البلد واهترائه شيئا فشيئا، بسبب غياب المرجعية الناظمة للوضع الداخلي، موضحا أنه اضطر الى التدخل شخصيا، على مدى خمس ساعات، ليل أمس الاول لفتح طريق صوفر بعد قطعها احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات.

السابق
عون “يَترحّم” على سعد الحريري!
التالي
سبعة أسباب وراء المصالحة الفلسطينية !