الخوف اللبناني

يسود الخوف لبنان، بجميع فرقائه وفئاته، من الارتدادات المحتملة لما يجري من تحولات عربية، ويزداد هذا الخوف مع المنحى الذي تأخذه تطورات الاحتجاجات الشعبية لدى الجارة المؤثرة في حياته السياسية، سورية، ورد الفعل القمعي والدموي من جانب السلطة، عليها.

واللبنانيون كعادتهم ينقسمون في الخوف والقلق على مصيرهم، مع أن الخوف والقلق هذين يفترض أن يوحدّاهم. ففي لبنان فريق خائف من أن تقوّض الاتجاهات التي تسلكها التحولات العربية قوته وتضعف دوره وأرجحيته، ولو كانت مستندة الى فائض القوة العسكرية التي لعبت دوراً في موازين القوى الداخلية خلال السنوات الماضية، وهو «حزب الله» وحلفاؤه. ومن الطبيعي أن يقلق الحزب من أن تقود التحولات العربية الى نظام إقليمي جديد، يسمح باستعادة الكثير من الدول العربية أدوارها الإقليمية التي سمح تراجعها لإيران بملء فراغ غياب النظام العربي بالاتكاء على أوراق نجحت في بنائها في العقود الماضية، وأهمها «حزب الله» نفسه. ومن أولى بوادر استعادة الدول العربية أدوارها هذه، النجاح المهم للديبلوماسية المصرية الجديدة في تحقيق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي أخفق نظام حسني مبارك في تحقيقها على مدى 4 سنوات ماضية. وواكب هذا النجاح الذي لا لبس فيه طالما أن إسرائيل هي أول المعترضين عليه، توجّه القاهرة الى استعادة التوازن في علاقاتها الإقليمية: البحث في عودة التمثيل الديبلوماسي بينها وبين إيران على مستوى السفيرين من جهة، واستعادة التنسيق السعودي – المصري، والخليجي – المصري من جهة ثانية، مشحوناً بدينامية جديدة هذه المرة تقوم على دعم الرياض سياسياً واقتصادياً للقاهرة الجديدة، مع ما لهذه الدينامية من آثار على ساحات إقليمية مهمة، من العراق الى فلسطين وربما لبنان، في المدى المتوسط. في اختصار، تؤدي عودة مصر الى لعب دورها الى الحسم من الدور الذي ملأته طهران في غياب الأولى.

يتضاعف الخوف حيال ما يجري في سورية، عند الحزب وحلفائه، وإن كان لا يُظهر الى العلن ما يعتمل في هيئاته القيادية من تساؤلات واهتمام يومي في الشأن السوري الداخلي. وإن كانت عواطف قادة الحزب تقف مع النظام، فإن عقل هؤلاء القادة يرغب باستجابة ما من النظام للمطالب الشعبية كي يحفظ استمراريته. خوف هذا الفريق هو من أن يضعف النظام أو تقود التطورات الى أزمة مديدة سورية داخلية تتوالد فيها المواجهات فتغرق سورية في انقسامات تنعكس في لبنان تصعيداً للتناقضات السنّية – الشيعية، فيخسر الحزب سنده الأساسي في كل السياسات التي يقودها في لبنان وتضعف قدراته التي اعتمد عليها من أجل ممارسة هذه السياسات في وجه خصومه المحليين وحلفائهم الخارجيين. أي أن الحزب قلق من أن يفقد بحكم الواقع عمقه الجغرافي، السياسي والتسليحي والعسكري، الذي يشكل جسره الطبيعي بين طهران وبيروت، وأن يزداد تجرؤ خصومه اللبنانيين عليه، تحت عنوان «رفض وصاية السلاح» في الداخل، الذي أصاب صورة الحزب وأوجعه على رغم تجاهله له، أو أن تستفيد إسرائيل من كل ذلك لشنّ حربها التي تتوعده وتتوعد لبنان بها، في ظل غياب الحد الأدنى من التضامن الداخلي وغلبة التخوين عليه.

أما الخوف الآخر، خوف قوى 14 آذار، فهو من أن يسعى النظام في سورية ومعه «حزب الله» الى الرد على إمكان استضعافهما بحكم التطورات المحتملة في سورية باعتماد سياسة القمع في لبنان، أسوة بسورية تحت غطاء اتهام رموز من هذا الفريق بالتدخل في الاحتجاجات في سورية، على رغم أن قيادات قوى 8 آذار وجمهوره غير مقتنعين بهذه الاتهامات. لكنها وسيلة لتغطية إحكام القبضة أكثر على السلطة في لبنان مع ما يعنيه ذلك من إجراءات وخطوات. ولا يقف خوف قوى 14 آذار عند هذا الحد. فعلى رغم أن قادتها لا يشعرون بالتضامن مع النظام السوري، نظراً الى الضربات المتتالية التي تلقوها من أركانه على مدى السنوات الماضية، فإن هذه القوى تتساوى مع قوى 8 آذار في التخوف من انعكاس مواجهة مديدة في سورية بين النظام ومعارضيه وتفرعها الى صدامات متعددة الأوجه، تصعيداً في التناقضات المذهبية في لبنان، مع إمعان «حزب الله» في سياسة التشدد الموازي، للإمساك بالسلطة.

يحلو للبعض أن يدعو الى استعادة الحوار لتلافي الفتنة التي يتساوى الفريقان في الخوف منها، إلا أنه يفوت هؤلاء أن المبادرة الى الحوار هي في يد من أسقط الحوار، أي «حزب الله» وحلفائه، حين اعتبر أنه لم يعد هناك من حاجة لللحوار بعد أن نجح مع سورية في إسقاط تسوية (س – س) في أوائل شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، من دون أن ينجح في إقامة معادلة بديلة منها، لما يظهر من التخبط في عملية تشكيل الحكومة الجديدة. والتأخر في مراجعة نتائج كل ذلك لا يفعل سوى إهدار فرص معالجة المخاوف.

السابق
بن جدو لـ”جنوبية”: ليست مزحة ولا حقيقة أنني سأفتح مقهىً
التالي
لا إلغاء للقمة العربية بل إرجاؤها حتى أيلول