من كفاح مسلح الى كفاح سياسي

كان واضحا لفتح وحماس مدة اربع سنين انه لا مناص من المصالحة. وكان الاختلاف في السعر. الآن ايضا عندما أصبح الاتفاق برؤوس الفصول موقعا متفقا عليه، ما يزال يشبه طفلا خداجا في حاضنة. ما زال لم يُتفق على تقاسم الحقائب الوزارية وشكل تنفيذ الانتخابات وموعدها موضوع للنقاش، وكذلك اسماء الوزراء ورئيس الحكومة الآتين. إن الاحتمال الكبير لتحقيق اتفاق المصالحة يكمن في اعتراف الطرفين بأنهما سيضطران الى التوصل الى تفاهمات دون "آباء مؤيدين". إن مكانة الاسد الذي أدار ووجه اجراءات حماس السياسية غامضة في أحسن الحالات. ولا يوجد أي يقين ان يستطيع الاستمرار في تحديد برنامج العمل السياسي في المنطقة كما أمل ان يفعل بعد سقوط مبارك. ومن الواضح لفتح ولا سيما محمود عباس، ان مصر الجنرال الطنطاوي ليست مصر مبارك وان الضغط العام المصري لفتح المعابر الحدودية في غزة واستعداد الادارة المصرية للاستجابة لهذا الضغط سيسلبانه أداة الضغط الرئيسة على حماس.
تتعلق أهمية المصالحة مباشرة بنية عباس ان يطلب اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطينية. تشتمل هذه الدولة على قطاع غزة كما تم الاتفاق على ذلك في اتفاق اوسلو وكما يعاود عباس التأكيد. لا يستطيع عباس ان يعرض نفسه بأنه يمثل الدولة الفلسطينية بغير مصالحة حماس، ولا سيما ان لغزة اسهاما حاسما في المشايعة الدولية ربما أكبر من القاعدة التي انشأها عباس في الضفة. فعملية "الرصاص المصبوب" والقافلة البحرية التركية والحصار الطويل لغزة – الى جانب سياسة الاستيطان – ساعدت عباس على اقناع زعماء بازالة تأييدهم لموقف اسرائيل وتبني فكرة الدولة الفلسطينية. اذا تم احراز موافقة دولية فستعتمد من جملة ما تعتمد عليه على طموح انها ستُبعد تهديد الكفاح المسلح لأن حماس لن تستطيع ادارة سياسة حربية مستقلة قد تضر باقتصاد الضفة.
يساعد هذه المصالحة ايضا زعم ان حماس لن تضطر الى الاعتراف باسرائيل لانه اذا حظيت الدولة الفلسطينية باعتراف من الامم المتحدة فلن يكون معنى لاعتراف محدد من حماس باسرائيل؛ وستكون حماس جزءا من ادارة فلسطينية تتخذ قرارات سياسية سيادية. وفي نفس الوقت أعلنت حماس في الماضي انها مستعدة للاعتراف بجميع الاتفاقات والقرارات التي اتخذتها الجامعة العربية ومنها المبادرة العربية. لن تستطيع الولايات المتحدة معارضة حكومة فلسطينية موحدة. وسيصعب عليها ان تُفسر لماذا هي غير مستعدة لقبول حماس بعد أن وافقت على أن تتبنى بل أن تؤيد عسكريا واقتصاديا، حكومة لبنانية شارك فيها حزب الله. لن تستطيع الولايات المتحدة ودول اوروبا ان تعارض ايضا انتخابات عامة جديدة في المناطق أو التنكر لنتائجها في حين يطلب الغرب في الآن نفسه الى زعماء عرب تطبيق اصلاحات ديمقراطية. قد تجد اسرائيل نفسها مرة اخرى في عزلة.
تُعرّف حماس وحزب الله حقا بأنهما منظمتا ارهاب لكن الفرق هو انه عندما تنضم حماس الى الحكومة الفلسطينية فهناك احتمال جيد ان تعود الى الحضن العربي وتستطيع التخلي عن الدعم الايراني – ولا سيما اذا انتقضت قاعدتها السورية. يمكن ان نرى أول علامة على ذلك في الاتفاق على توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة لا في دمشق أو قطر وأن يُمنح النظام الجديد في مصر بذلك ورقة افتتاح مهمة لاعادة بناء مكانتها في المنطقة. بقي الآن أن نرى هل ستصبح المصالحة شللا بحسب النموذج اللبناني أم تبني واقعا فلسطينيا جديدا.

السابق
صورة وحدة
التالي
المفاوضات: لا يزال ممكنا الاتفاق