لا حاجة إلى ضحايا للبناء في حاصبيا

 اختارت احدى وسائل الاعلام، في معرض السجال السياسي على مخالفات البناء على الاملاك العامة، ان تشير الى منطقة العرقوب – حاصبيا في الجنوب على انها تشهد اعتداءات من هذا القبيل، في مسعى واضح لتحميل مسؤولية ما يجري من مخالفات الى "تيار المستقبل" الموجود في القرى السنية في تلك المنطقة. لكن ما لا تعرفه هذه الوسيلة الاعلامية، ان منطقة حاصبيا تكاد تكون من المناطق النموذجية في لبنان لجهة حفظ الاملاك العامة ومنع الاعتداء عليها. والامر يستحق التحليل والمتابعة اجتماعياً ووطنياً، لا للاقتداء والتشبه فحسب، بل لان تلك المنطقة الواقعة عند اقصى الحدود الجنوبية الشرقية للبنان تصلح نموذجاً يحتذى. فرغم كل ما شهدته تلك الانحاء من تعاقب الاحداث عليها وغياب سلطة الدولة اللبنانية منذ عام 1967 وما تلاه، تظهر جردة سريعة لمختلف القرى والبلدات في تلك الناحية ان نسبة المخالفات لا تتجاوز كماً محدوداً جداً ومحصوراً، ويعود اكثرها الى ايام الاحتلال الاسرائيلي للجنوب، وعددها لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة. ويقول احد المسؤولين الامنيين عن هذا الملف في منطقة حاصبيا، ان الاعتداءات على الاملاك العامة تكاد تكون شبه معدومة، وان ما يسجل منها لا يشكل الا نسبة قليلة جداً مقارنة بما تنقله وسائل الاعلام عن المخالفات في المناطق الجنوبية الاخرى.

وفي رأي المسؤول عينه ان غياب المخالفات يعود الى جملة اسباب، في مقدمها ان الاراضي التي تملكها الدولة والتي تسمى "المشاعات" استناداً الى التعريف العثماني القديم، تتبع في غالبيتها للسلطات البلدية في تلك الانحاء، وهو ما يخولها الحرص على الاملاك العامة التي تعتبرها ثروة عقارية وملكاً للبلديات في كل قرية وبلدة، وتسعى الى الحفاظ عليها ومنع الاعتداءات من اي طرف كان. وترتبط بهذا السبب مسألة اخرى اكثر اهمية، هي حجم الاستثمارات الخاصة في قطاع العقارات وخصوصاً في الزراعة، بحيث ان غالبية الاراضي وفي مختلف القرى والبلدات تعد املاكاً خاصة ولها اصحابها ومستثمروها المهتمون بها سواء بزرعها او العناية بها بأشكال مختلفة، مما يترك هامشاً ضيقاً جداً امام الطامعين بالاعتداء على الاملاك العامة. ويشير المسؤول الى ان الاعتداءات القليلة المسجلة على الاملاك العامة هي في العقارات الملاصقة لها والتي يتم استثمارها زراعياً، بحيث ان عدداً محدوداً من المالكين تمدد بعقاراته الزراعية الى عدد من الاملاك العامة، مما ادى الى تحرك القضاء، وثمة دعاوى قانونية في هذا الموضوع. والنتيجة الحتمية لانحسار الاملاك العامة او المشاعات هي استعار التنافس على شراء العقارات الخاصة التي يمكن استثمارها، وهو ما يعني حكماً محاصرة الراغبين في الاعتداء على اي اراض للدولة في حال توافرها.

المفارقة في انحاء حاصبيا وبلداتها، ان الغالبية تحصل على رخص من التنظيم المدني والبلديات (استناداً الى القرار الاخير لوزارة الداخلية) من اجل الشروع في البناء، ورغم كل الفوضى والانهيار في مؤسسات الدولة لا تزال الاجهزة الامنية قادرة على تحرير محضر ضبط بالمخالفين وازالة اي مشروع بناء مخالف دون الحاجة الى سقوط قتلى وجرحى، والامر برمته مسألة تدعو الى اعمال التفكير في اسباب هذا الامر النموذجي!

السابق
بلدية صيدا استعادت رصيف الكورنيش
التالي
النهار عن أوساط ميقاتي: الرئيس مرتاح الى المشاورات الجارية وهو ليس في وارد الاعتذار