الحرب كحلّ سوريّ أخير!

لا يقتصر صدى الاحتجاجات داخل سورية على تشكيل الحكومة في لبنان، بل هو يتجاوزها الى ما هو ابعد من ذلك. فقد اظهرت الانتفاضة الشعبية في العديد من المدن السورية، ان ما يجري يصعب التكهن بنتائجه وتداعياته، وبالتالي مدى انعكاسه على العلاقة اللبنانية – السورية في وجوهها المتشعبة، ومصير حبل السرة الذي يربط بين سورية وحزب الله.
ذلك ان هذه الانتفاضات في سورية، على النظام الامني – السياسي ومتفرعاته في الدولة، لم تذهب نحو التصويب على السياسة الخارجية التي يعتمدها النظام السوري، بل ركزت بشكل واضح على مطلب الحرية ومندرجاته في الحياة الوطنية والدستورية.
لكن نبل هذا الشعار لا يقلل من شأن مساع اقليمية – دولية لاستثماره في اهداف ومصالح تتصل بتعديل في موقع سورية داخل المعادلة الاقليمية. وهذا لا يندرج في مسؤولية المنتفضين او المعترضين من الشعب السوري بطبيعة الحال، بل يقع ضمن نتائج استهتار النظام الحاكم بايلاء الاهمية المطلوبة لاجراء تعديلات جدية داخل النظام تتيح انتقاله من نظام الحزب الواحد الى نظام يستوعب التعددية السياسية، ومن تحكم الاجهزة الامنية الى تحكم القانون، في ظل نظام ديمقراطي.
واذا كان مسار التاريخ هو في صالح مطالب المنتفضين، فان ذلك لا يدفع الى توقع نتائج ايجابية عاجلة لهذه الاحتجاجات، وهي لن تسبق نتائج استثمارها في المقايضات الاقليمية والدولية مع القيادة السورية.
فسواء نجحت القيادة السورية في استيعاب هذه الاحتجاجات او فشلت، فان المهمات الداخلية باتت تكتسب اولوية في برنامج السلطة، اما لجهة الانكباب على الاصلاحات السياسية، او لجهة محاولة احتوائها، وفي الحالين ثمة اسئلة باتت تتسرب الى لبنان والى الحدود الجنوبية، حيث يحاول البعض تلمّس أثر ما يجري على الحدود الجنوبية ومستقبل سلاح حزب الله في أبعاده اللبنانية والاستراتيجية.
فإسرائيل لم تكفّ في الشهرين المنصرمين عن توجيه رسائل غير مباشرة تعبر في مضمونها – بحسب خبراء – عن عدم استعداد تل أبي للانخراط في مواجهة مع حزب الله في هذه المرحلة.
فهي عمدت قبل اكثر من شهر الى تسريب خريطة تزعم انها تظهر كل مواقع حزب الله في الجنوب، خصوصا في منطقة جنوب نهر الليطاني. وعمدت قبل اقل من اسبوعين الى نشر اسماء قالت انهم قيادات امنية في حزب الله. وقامت قبل ايام بتسريب ونشر تقرير عسكري في "معاريف" يظهر بشكل مفصل التدريبات الخاصة بالجيش الاسرائيلي لمواجهة شبكة الانفاق التي انشأها حزب الله في الجنوب، وكانت من ابرز الوسائل التي اعتمدها لمواجهة عدوان 2006.
هذه الرسائل الاسرائيلية تأتي في ظل تحليلات ترقى الى مستوى المعلومات، عن امكان قيام حزب الله، وبايعاز سوري – ايراني، بخوض مواجهة مع اسرائيل، كاحدى وسائل مواجهة ما تسميه هذه الاطراف: المؤامرة على سورية.
وفي رأي متابعين عن قرب لمدى استعداد حزب الله لمثل هذه الحرب، فإن الحزب لا يمكن ان يبقى ساكنا اذا ما استشعر محاولات قطع الانفاس عن جهازه الامني والعسكري ضد اسرائيل. ويؤكد المتابعون أنّ الحزب لن يسكت، خصوصا إذا كان ما بناه على هذا الصعيد، خلال السنوات الماضية بدعم ايراني سوري، بانتظار ساعة القبض عليه بالتوقيت الاسرائيلي – الاميركي.
ويذهب هؤلاء الى ان التحسب من الاسوأ، لا يعني ان لدى قيادة حزب الله مخاوف جدية من ان القيادة السورية فقدت مصادر قوتها ونفوذها والتفاف الشعب حولها. ربما لاعتقاده ان الاستياء من القيادة السورية اميركيا وعربيا لم يصل الى حد الانخراط في عملية تشجيع اسقاط النظام. لكن رغم ذلك يظل القلق مشروعا لدى حزب الله من حجم التأثير السلبي لما يجري داخل سورية على التحالف الايراني-السوري.
الحرب تطلّ برأسها مجددا على جنوب لبنان، تماما كما هو الحال في كلّ لحظة متوترة من لحظات الشرق الأوسط التي لا تنتهي، خصوصا حين تكون إسرائيل في أزمة داخلية، أو سوريا في أزمة مماثلة.

السابق
اضراب للسائقين العموميين في الكولا
التالي
إسقاط النظام الطائفي: مسؤوليات وتحديات