منع الكحول في النبطية: القانون والقوة والتقاليد

مدينة النبطية ستصبح خالية من محلات بيع الكحول، ولكن ليس من الكحول بالضرورة. فمنذ أسبوعين تقريباً أقدم أحد أصحاب متاجر بيع الكحول في النبطية، وهو وسام يعقوب، على إقفال متجره الواقع بالقرب من ثانوية الصباح في النبطية. الإقفال جاء بعد تعرضه لضغوط من بعض المنتمين إلى جهة حزبية، كما يقول أكثر من متابع في المدينة. هذه الضغوط أخذت شكل سلسلة من الاحتجاجات، قام بها عدد من سكان المدينة الذين اعتبروا إن المحل، بسبب تواجده بالقرب من الثانوية، يشكل خطراً على الطلاب، ويتعارض مع قيم وعادات وتقاليد هذه المدينة.

رغم القانون الذي يمنع بيع المشروبات الروحية لمن هم دون الثامنة عشرة من العمر، نقل بعض المحتجين إلى "شباب السفير"، أن المحل المذكور لم يكن يتشدد تجاه هذه المسألة بشكل كامل. ولكن إجراء الإقفال أتى بعيداً كل البعد عن كون المحل يخالف القوانين اللبنانية، بل تحت تهديد تلى الحملات التي نظمها بعض سكان المدينة. تهديد ينقله شاهد عيان، فضّل عدم الكشف عن اسمه، على شكل عبارة بسيطة وسريعة وصلت مباشرة إلى يعقوب: "يا بتسكر المحل يا منسكرو ع راسك"، فلم يكن أمام صاحب المتجر إلا الرضوخ.

بعد أيام قليلة، يقرر سمير صباغ أحد أصحاب المحلات المجاورة إقفال متجره أيضا. السبب المعلن هو التضامن مع "زميله"، لكن آخرين يقولون إن الإقفال جاء أيضا تحت ضغط احتجاجات "أهالي" النبطية. هكذا، تقلّص عدد المتاجر التي تبيع المشروبات الروحية داخل المدينة إلى متجر وحيد، يقال إنه أعطي مهلة لبضعة أيام ليفرغ الكحول من متجره إن أراد الاستمرار في العمل.

اللافت أيضا، وبحسب مصدر متابع، أن القرار الصادر عن بلدية النبطية بمنع المحلات التجارية من بيع الكحول ضمن الحدود الجغرافية للمدينة جاء مخالفا لنتيجة التصويت. وينقل المصدر أن 12 عضوا صوتوا ضد القرار، مقابل 8 أعضاء صوّتوا لصالحه، ورغم ذلك، أعلن رئيس بلدية النبطية أحمد كحيل قرارا رئاسيا يقضي بالمنع. هكذا منح رئيس البلدية "حجة قانونية" للجهات التي تقف خلف إقفال محال المشروبات الروحية، يحميها من الحملات التي انطلقت للتنديد بهذا الإجراء الذي يحاول فرض وجهة نظر محددة على جميع أهالي النبطية. علما أن القانون المطبق في كافة الأراضي اللبنانية يسمح لأي محل ببيع المشروبات الروحية في حال حصل على ترخيص بذلك من وزارة المالية أو السياحة، ولا يحق لأي بلدية حينئذ أن تمنع بيع الكحول في نطاقها الجغرافي، طالما التزم صاحب الترخيص بالقانون.

القضية لا تزال تتفاعل بين شباب المدينة، بين مؤيد ورافض ومتخوف. فالحادثة بحد ذاتها، بالنسبة للبعض، تتخطى حدود شرب الكحول أو عدم شربه، بل هي مسألة حرية. يقول رامي، اسم مستعار، إن من يشرب الكحول سيستمر في السعي للحصول عليه، ويضيف ساخرا: "المتغير الوحيد هو استهلاك إضافي للبنزين بسبب المسافة التي سيسلكها للوصول إلى المتاجر في القرى المجاورة، مع ما يسببه ذلك من ضرر للبيئة". بعض هذه القرى لم تطلها هذه الممارسات حتى الآن، لكن من يمنع حدوث أمر مماثل، في أي قرية أو مدينة في أي مكان في لبنان، طالما أن لا رادع أمام الجهات التي تسيطر على الأرض يمنعها من فرض توجهاتها الفكرية والاجتماعية على المواطنين، كما يتساءل أحد شبان المدينة ممن لا يتناولون المشروبات الروحية أساسا.

وبعيداً عن المؤيدين انطلاقا مما يعتبرونه واجبهم الديني، وعن الرافض لهذا الإجراء باعتباره يتعارض مع حرية كل فرد بممارسة حرياته ومعتقداته من دون أن يسبب بذلك الأذى لغيره، تكمن أهمية ما يجري في النبطية بالطريقة التي فرض بها المنع تحت سلطة الأمر الواقع، لا القانون. فالتعاطي مع المشكلة لم يتم باعتبار أن أحد المتاجر كان يبيع الكحول إلى من هم دون الثامنة عشرة من العمر، وهو ما يستدعي إجراء قانونيا في حال ثبتت صحة الادعاء، بل تمت مقاربة المسألة من باب "تعارضها مع قيم وعادات وتقاليد هذه المدينة"، ما ينتج عن ذلك من تعميم صورة نمطية لمجتمع لا يخلو من التنوع الفكري والاجتماعي، وتصويره على أنه كتلة واحدة، بعكس الواقع. المشكلة لا تقتصر على الكحول إذاً. وما يجري اليوم في النبطية هو نموذج مرفوض يتركز على الفرض والترهيب، وهو مرشح للتعميم في مسائل خلافية أخرى، وفي مدن ومناطق لبنانية مختلفة، وإن كان بيع الكحول هو عنوانها البارز اليوم في النبطية.

أهالي النبطية: عدم التعرض للحريات

تناول اللقاء الأخير لتجمع الأندية والجمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني في مدينة النبطية مع رئيس البلدية أحمد كحيل، الذي عقد أواخر الأسبوع الفائت، موضوع إقفال المحال والمؤسسات التجارية التي تتعاطى بيع "المشروبات الروحية" في المدينة. ونفى كحيل خلال اللقاء أي علاقة للمجلس البلدي بما حصل مؤخراً في المدينة، مؤكداً على أن "البلدية لا تعمل أو تتصرف إلا وفقاً للقوانين المرعية الإجراء وتحت سقفها".
واتفق المجتمعون على متابعة اللقاءات بين الجمعيات المعنية والبلدية والتزام أحكام القانون، في كل ما يتعلق بالشأن العام ويتصل بالحريات العامة، وإجراء الاتصالات بمحافظ النبطية القاضي محمود المولى والأجهزة الأمنية، من أجل العمل على تفعيل دورها والتشدد في ضبط التجاوزات، والمظاهر البعيدة عن التقاليد الاجتماعية السليمة، وعدم التعرض من أي جهة للحريات الخاصة والعامة المقيدة بالقوانين التي تحافظ على النظام العام والأخلاق، وعدم الموافقة على القيام بأي نشاطات من دون الحصول على ترخيص من البلدية.

السابق
لسنا جاهزين للديموقراطية
التالي
البنزين: زيادة كل اربعاء والسبب عدم الشفافية والفساد