كيف يبدو قضاء صور في عام 2024؟

اختتم اتحاد بلديات قضاء صور، الأسبوع الفائت، المرحلة الأولى من مشروع المخطط الاستراتيجي الذي بدأ في عام 2009 ويستمر بمراحله الخمس حتى عام 2024. المخطط الأوّل من نوعه في لبنان، يمرّ بمسار شامل مستفيداً من الموارد البشرية والطبيعية المتوافرة. فكيف سيبدو القضاء ببلدياته الـ 63 بعد 13 عاماً، فيما لو سلك المخطط الطريق المرسومة له؟

في وقت تتخبط فيه منطقة صور بأزمتَي النفايات والبناء المخالف في المشاعات، كان اتحاد بلدياتها وعدد من الهيئات المحلية والأجنبية يعملون على إنجاز اللمسات الأخيرة من المرحلة الأولى للتخطيط الاستراتيجي للقضاء. تزامن جعل البعض لا يعير الاهتمام اللازم للإصلاح والتغيير القادمين إلى صور، في ظلّ تورط الجميع في خرق النظام من دون وجود محاسبة فعلية.

هذا الواقع لم يحل دون استمرار التعاون بين كلّ من اتحاد صور، مقاطعة «بروفانس آلب كوت دازور» الفرنسية، وجمعية إنماء القدرات في الريف بالتنسيق مع جامعة بول سيزان الفرنسية ومركز التدريب والدراسات على اقتصادات البحر المتوسط، للإفادة من برنامج الدعم الذي تفرده المقاطعة لمدن حوض المتوسط. وقد انطلق بروتوكول التعاون بمشروع وضع المخطط الذي أنهى مرحلته الأولى القائمة على تدريب رؤساء البلديات، ووضع المبادئ النظرية الأولى التي استشفت من ورش عمل عدة نظمت خلال العامين المنصرمين.

لكن، كيف يمكن استنباط مخطط استراتيجي من بين جملة المعضلات التي تعانيها منطقة صور؟
استناداً إلى العرض الذي قدّمه نائب رئيس جمعية إنماء القدرات في الريف، رئيس بلدية العباسية، علي عز الدين، فإن المخطط هو استقراء مستقبلي استند الى تجارب رؤساء البلديات وتقويم ميداني لنقاط ضعف وقوة المنطقة. والجلسات التي عقدت معهم تناولت تقويماً عاماً للقدرات والثروات والإمكانات الموجودة في قضاء صور وتحديد المشاكل وإيجاد الحلول لها وتعزيز الفرص المتاحة للوصول إلى اقتراحات بشأن مشاريع ذات أولوية والاستفادة من التجارب السابقة في هذا المجال في مناطق مشابهة حول البحر المتوسط. وبعد جلسات متكرّرة، توصل الرؤساء إلى تحديد الأهداف المرجوة لإعداد مخطط استراتيجي وتحديد الأولويات الست وهي: الخطة البيضاء (العمارة والتنظيم المدني)، الخطة الزرقاء (المياه)، الخطة الخضراء (البيئة، المناظر الطبيعية، الزراعة)، خطة النقل، الخطة الاقتصادية، الخطة الاجتماعية.

في النظرة والأهداف، يشير المخطط إلى ضرورة خلق رابط مشترك يجمع البلديات كشرط أساسي للتطوير، فضلاً عن مخطط شامل تكاملي للقضاء يعتمد على اللامركزية ضمن تقسيم يراعي الطبيعة الجغرافية للحدّ من الهجرة الداخلية ضمن القضاء ذاته. هذا النظام سيشمل وفق الخطة المرسومة نظاماً متكاملاً لمعالجة النفايات الصلبة وتعاوناً في مجال الاقتصاد المحلي الزراعي والإنتاجي والاستثماري والسياحي والتقليص من كلفة الكهرباء على البلديات بأنظمة إنارة اقتصادية والاستثمار المرشّد في استخدامات الشواطئ للسياحة ومعالجة مشاكل التفاوت في الاستفادة من مياه الشفة ومياه الأمطار والسيول الموسمية. إلى جانب تفعيل النشاطات ذات طابع الانصهار والتكامل المجتمعي ضمن القرى.

هذه الأهداف تصطدم بواقع مزرٍ من نواح مختلفة. فالمنطقة تعاني تمركزاً مكثفاً سكانياً وخدماتياً وتجارياً وإدارياً ضمن مدينة صور وحولها، وتوسّعاً عمرانياً غير منظم وغياب مخطط توجيهي للكثير من البلدات ضمن الاتحاد. إلى جانب التدهور البيئي المتزايد نتيجة غياب مخطط بيئي شامل وملزم والممارسات المحلية الجائرة والخدمات الشاملة والمستدامة للطاقة الكهربائية والمائية وغياب خطط تحفيزية لجلب الاستثمارات المحلية والخارجية وتسويق المنطقة.

نقاط الضعف تطال أيضاً عدم وفرة المؤسسات التعليمية الجامعية والتقنية العالية، مقارنة بالنسبة العالية للفئات العمرية الشابة وغياب نقل مشترك منظم ومراكز تسويقية أساسية للإنتاج الزراعي، فضلاً عن ضعف البنى التحتية للمواصلات الداخلية بين البلدات وترابطها بين الداخل الريفي والساحل وضعف الفرص المعيشية للبلدات والقرى المتاخمة للحدود الجنوبية للقضاء. ويزيد من نقاط الضعف هذه المخاطر التي تهدّد المنطقة باستمرار، ومنها الموقع الجيو ـــــ سياسي المجاور، هجرة الموارد البشرية الفاعلة نتيجة غياب وعدم تكافؤ الفرص والتهديد الدائم للثروة الحرجية والمساحات الخضراء العامة والتهديد المباشر للحياة البحرية نتيجة الممارسات الجائرة حتى من طرائق صيد السمك، والتلوث البيئي المؤثر على الموارد المائية الجوفية والسطحية.

وسط كلّ تلك السلبيات، يملك المخطط عدداً من نقاط القوة منها الموقع والطبيعة الجغرافية ومواردهما، الموارد البشرية المحلية والعاملة في الخارج، الإرث الحضاري والتاريخي للمنطقة، التعاون والتجانس بين مختلف فئات النسيج الاجتماعي، إضافة إلى النسبة العالية للفئة العمرية الشابة وتملّك بعض البلديات الأساسية لأملاك عامة لها القدرة على التشغيل والاستثمار. وبإمكان عوامل القوة هذه أن تتعزّز أكثر من خلال الفرص المتوافرة من الرأسمال الاغترابي والبشري المتعلم والفاعل، ومن الرغبة المتوافرة لدى البلديات للعمل على مخطط استراتيجي متكامل وفي الاستثمار والتشغيل العام للمرافق الخدماتية والاقتصادية المحلية الحيوية وفي تطوير الإنتاج المحلي ودعمه والمساعدة على التدخل لتسويقه محلياً وخارجياً وتوفّر الدعم الخارجي المرتبط في تنمية الاقتصاد والبنى التحتية المحلية والبلدية وزيادة الطلب على التملك والتبادل العقاري والاستثمار في قطاع البناء وخدماته في المنطقة.

السبل الأقصر للوصول إلى مسار التخطيط الاستراتيجي تبدأ من المخطط الأخضر الذي يشمل وضع خطة لإدارة النفايات وتأهيل مكب النفايات العشوائي في منطقة رأس العين، إقامة معرض دائم للمنتجات الزراعية المحلية ومشتل مركزي لأشجار الزينة. أما المخطط الأبيض فيشمل تطوير المخططات التوجيهية العامة للمنطقة كإقامة المكتبة الإلكترونية وقاعدة بيانات إلكترونية تفاعلية ووضع ميثاق بلدي للمساحات والأماكن العامة ومخطط إنارة عامة وإعادة تأهيل المساحات والمواقع المعبرة. فيما يشمل المخطط الأزرق تعزيز الاستفادة من الموارد المائية لبرك رأس العين واستكمال بناء شبكات الصرف الصحي ومواكبة الاستفادة من مشروع الري لنهر الليطاني وتحسين جمع واستثمار المياه السطحية الموسمية. أما مخطط النقل فيعرض إنشاء تقاطعات لمواقف السيارات ووسائل النقل مع خدماتها على محيط ضواحي مدينة صور البلدات الساحلية في إطار مخطط نقل دائري ووضع شبكة من وسائل النقل العام الداخلي والمناطقي على حجم اتحاد بلديات قضاء صور (حافلات، باصات …)
وضمن المخطط أيضاً، هناك اعتبار للتماسك الاجتماعي عبر تقويم وتثمين خصائص التراث التاريخي والثقافي وتنفيذ برامج للتدريب والتأهيل المهني في قطاع السياحة وصيد الأسماك وتطوير البنية التحتية السياحية في القرى (كبيوت ضيافة) لتنمية السياحة الداخلية. ومن اقتراحات مخطط التنمية الاقتصادية إنشاء وتطوير الحدائق العامة ورياض الأطفال وتشييد مركز تقني للتكنولوجيات الجديدة.

يذكر أن بروتوكول التعاون اللامركزي ما بين مجلس منطقة بروفانس آلب كوت دازور في الجنوب الفرنسي وبلديات من أربعة أقضية في الجنوب اللبناني، بإشراف جمعية إنماء القدرات في الريف وُقّع عام 2002. وبعد ست سنوات، أعيد توقيع البروتوكول مع اتحادي بلديات صور وجزين. ومن ضمنه، تموّل المقاطعة والاتحاد الأوروبي وضع المخطط الاستراتيجي للتنمية في صور. وبعد انتهاء المرحلة الأولى، ينتظر أن تدشن المرحلة الثانية من المخطط في شهر تشرين المقبل، على أن يفتح الباب واسعاً أمام مشاركة هيئات المجتمع المدني والمواطنين والسلطات الرسمية والجهات المانحة المحلية والأجنبية.

السابق
المدارس اللبنانيّة في أبيدجان لن تكمل عامها الدراسي
التالي
منيمنة: 8 آذار تنجح في التعطيل وليس في البناء