الديار: بري: التأخير بالتأليف جزء من المؤامرة على سوريا

يبدو ان التسوية الموعودة بعد العيد تبخّرت وحلّت محلها التجاذبات التي تكاد ان تطيح بكل شيء خصوصاً إذا طال انتظار ولادة الحكومة. ففيما كانت الأوساط المعنية للتأليف تروّج أخباراً عن ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لم يعد ينقصها سوى بعض "الروتوش" واللمسات الاخيرة، بدا في الامس أن كل شيء عاد الى البدايات، فالعماد ميشال عون يطالب بوزارة سيادية لتكتله النيابي وتحديدا يريد وزارة الداخلية على اعتبار انها حقيبة سيادية للمسيحيين وهو يمثل التكتل المسيحي الاكبر في فريق الاكثرية الجديدة.

لكن ذلك وجد معارضة متينة من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف خصوصا ان بعض الاوساط المقربة من الرئاستين الاولى والثالثة تؤكد بأن الداخلية لن يستلمها اي فريق وتحديدا العماد عون إلا بموافقة ورضى سليمان والميقاتي. اضافة الى ان الرئيس المكلف بات على قناعة بأن اوضاع التأليف صعبة لا بل مستحيلة، لانه تبين ان حكومة اللون الواحد ستفرض نوعا من هيمنة "حزب الله" وهذا سيثير مشكلة بينه وبين الولايات المتحدة الاميركية. اضافة الى ان العماد عون اذا استطاع ان يحقق شروطه وبالتالي انتصاره فهذا يعني ان الميقاتي سيواجه اعتراضاً من الجميع تقريبا خصوصا ان العماد عون سيسجّل النقاط في مرمى أهل السنّة، خصوصا إذا حصل على حقيبة الداخلية حيث المراكز الدسمة لعون. كذلك، فإن وجود الرئيس نبيه بري بشكله الفعّال في ظل غياب فريق كبير من المشاركة فهذا يعني ايضا ان ملف مخالفات البناء سيوصم حكومته بملف شائك لن يستطيع التملّص منه خصوصا أن حركة "أمل" هي احد المعنيين الاساسيين بهذا الملف.

وفي ظل هذه الوقائع، فإن البعض يعيد الى الاذهان الحكومة الوسطية بعيدا عن الالوان والاطياف السياسية تكون حكومة انتقالية تؤمّن قانونا للانتخابات النيابية يعتمد على النسبية وتستطيع ايضا ان تعدّل في دستور الطائف وفق رؤية قانونية ميثاقية بعيدا عن الاطراف السياسية المبعدة عن هذه الحكومة. وعلى ما يبدو فان الحركة الظاهرة لميقاتي بعد عودته من لندن لم تحجب استمرار المراوحة في عملية تشكيل الحكومة بسبب عدم التوصل الى أي صيغة لعقدة الداخلية الذي يصر العماد ميشال عون كما عبر امس على ان تكون من حصته، بينما يؤكد رئيس الجمهورية حسب مصادر مقربة منه عدم التفريط بها. وبعد اجتماعه مع الخليلين ليل اول امس زار الرئيس ميقاتي رئيس الجمهورية ومجلس النواب ميشال سليمان ونبيه بري وبحث معهما في آخر المستجدات المتعلقة بالمشاورات المستمرة لتأليف الحكومة.

وقال مصدر مطلع لـ"الديار" مساء امس انه لم يطرأ جديد على صعيد طرح اي اقتراح او فكرة يمكن ان تشكل تسوية لعقدة وزارة الداخلية، لكن الجديد هو التشديد على توسيع ورفع حركة المشاورات واللقاءات المباشرة داخل فريق الاكثرية الجديدة سعيا للاسراع في تشكيل الحكومة. وكشف المصدر عن ان الرئيس بري لم يخف انزعاجه الشديد لاستمرار المراوحة في عملية تشكيل الحكومة، مؤكدا على ضرورة تجاوز كل الاسباب التي تحول حتى الآن دون التوصل الى التشكيلة الحكومية النهائية، خصوصا ان الاطراف الساعية والمشاركة في الحكومة هي في اطار الفريق الواحد ذات التوجهات العامة الواحدة، حيث يفترض ان تكون عملية التأليف غير صعبة ولا تحتمل كل هذه التجاذبات والصعوبات. واشار المصدر نفسه الى ان اتصالات مكثفة يفترض ان تجري في بحر الاسبوع، لكنه شكّك في امكانية ولادة الحكومة هذا الاسبوع. وفي حفل تكريم الشاعر الراحل نجيب جمال الدين مساء امس جدد الرئيس بري نفيه التأخير في تأليف الحكومة لأسباب سورية، وقال: من يعتقد ان التأخير في تأليف الحكومة هو لاسباب سورية فليعلم ان اكثر المتضررين من عدم وجود حكومة الآن في لبنان هو سوريا الشقيقة، ان التأخير بحد ذاته هو جزء من المؤامرة ليس على لبنان فحسب بل جزء من المؤامرة على سوريا ولو كان غير مقصود.

من جهة اخرى، حذر الرئيس بري من أي خطأ عابر لحدود الامن القومي السوري، معتبرا انه "لعب بالنار وبمصير لبنان في المجال الحيوي الجغرافي والسياسي الذي تمثله سوريا لنا في لبنان". وقال: ان على جميع اللبنانيين ان يكونوا اكثر حرصا على أمن سوريا واستقرارها من السوريين انفسهم، وان استقرار النظام في سوريا يشكل ضرورة شرق اوسطية، وان محاولة ضخ الفوضى والفتنة الى سوريا امر سيؤدي الى حريق شرق اوسطي لا يمكن اطفاؤه ولا يمكن النجاة من استتباعاته. واكد على ضرورة ان تجري التحقيقات بشأن إمكانية تورط لبنانيين بأحداث سوريا في اطار قانوني وليس سياسي، وان يتم التعاون مع القضاء اللبناني في اطار الاتفاقيات المعقودة بين لبنان وسوريا.

من جهته، رأى رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ان كل من يريد ان يتكلم عن الدستور دون ذكر النص سأتعرض له لأن الدستور ليس ممسحة وعندما لم نوافق على دستور الطائف لأننا كنا نعرف ما فيه واليوم نرفض ان يتجاوزه احد، لا رئيس جمهورية ولا نائب ولا محامي ولا قاضي، مؤكدا في هذا السياق انه ليس مختلف مع احد على وزارة الداخلية ولكن "انا لدي أكبر تكتل واريد الداخلية ولا يحق لي بوزارة سيادية؟ ومن سيأخذ الوزارات الاربع السيادية، فكل كتلة كبيرة بكل طائفة يحق لها بوزارة"، مضيفا: "من ينتظر الاحداث الكبيرة بالمنطقة لا يريد تشكيل الحكومة".

وفي الموضوع الحكومي، اشار عون بعد اجتماع التكتل الاسبوعي الى ان لا شيء جديد عن الحكومة ونستطلع الاخبار من الصحف، والكل يدعون انهم يحترمون الدستور ولكن لم نسمع اي نص يدعم كلامهم، ولا نرى ان هناك نية لتشكيل الحكومة لان الاسباب التي نسمعها غير موجبة ولا يمكن اختراع اسباب ونلزم بها كتلة نيابية ونسمع ايضا دروسا اخلاقية من البعض ومن يريد اعطاء هكذا دروس يجب ان يعرف من له حق وان يعود للنصوص. ولفت عون الى ان "هناك عدة مشاريع ندرسها ونتابعها، فحرام ان نعطّل المجلس النيابي لان لا حكومة"، طالبا من لجنة الادارة والعدل ان تزيد ساعات عملها كما فعلت لجنة المال، "نأمل ان يحصل انتاج بلجان مجلس النواب". واضاف: ليشرحوا لنا الدستور ويقولوا اين هي الضريبة التي يجب ان ندفعها وما هي حصة رئيس الجمهورية. لماذا التعديات على البناء؟ لان اول شخص خالف "انعملوا واسطة" وحصل "تطنيش" وهكذا "تخرب الدولة" لان لا تطبيق قوانين ولا دستور، ليأتي احد ويشرح الدستور بين المختلفين. واوضح عون انه "ليس لديّ شيء لأسكت فلست مطمئنا ولا اعرف شيئا يطمئنني ويطمئن الشعب"، متسائلا: ماذا فهمتم من كلام رئيس الجمهورية من بكركي؟ انا فهمت كما انتم فهمتم. وخلص الى انه عندما تتألف الحكومة محترمة عدالة التوزيع والفقرة "ي" من الدستور فلا عقبة لكي تُرفض.

وفي ما يتعلق ببيان مجلس الامن حول احداث سوريا، طلب وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال علي الشامي من مندوب لبنان في مجلس الامن السفير نواف سلام عدم الموافقة على مشروع البيان الصحافي حول الاحداث في سوريا وعدم السير به. ورد عليه النائب فريد حبيب في بيان وزعه مكتبه الاعلامي انه "بعد التوجيهات التي اعطاها وزير الخارجية علي الشامي لسفير لبنان لدى الامم المتحدة نواف سلام، والقاضية بالتصويت ضد اي قرار يتناول سوريا، علما انه قام بذلك من دون استشارة او اطلاع رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال، رأينا من واجبنا كممثلين للامة وكمراقبين لعمل المؤسسات والوزارات، ان ننبه معالي وزير الخارجية لخطورة تماديه في الممارسات غير الدستورية". وقال: ليست هذه المرة الاولى التي يتجاوز فيها الوزير المذكور صلاحياته، فهو عندما تدخل السفير السوري بالشؤون الداخلية اللبنانية لم يعمد الى استدعائه على غرار ما فعله في ظروف مماثلة مع سفراء دول اخرى، وهو لم يقم لغاية الآن بواجباته في ما خص التحضيرات اللازمة لاقتراع المغتربين.

السابق
الأنوار: تسريبات متفائلة عن تشكيل الحكومة ينفيها ميقاتي ويرفضها عون
التالي
أوغاسبيان: نرفض أي تدخل لبناني في سورية والبحرين