جنرالان… يهددان طائفة

ليست سوريا سببا مباشرا لعدم تأليف الحكومة اللبنانية، ولعلها لن تكون كذلك بعد اليوم ابدا. مشكلة بقاء لبنان من دون حكومة جديدة هي مشكلة محلية… تدور اساسا داخل الطائفة المارونية التي تسيء قياداتها مجددا قراءة التحولات السورية الجذرية، مثلما سبق ان اساءت اكثر من مرة قراءة تحولات اقليمية كبرى كانت عاملا حاسما في تراجع دور الموارنة وتهديد وجودهم اللبناني المؤثر.
صراع الجنرالين ميشال سليمان وميشال عون على الحقائب في حكومة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ليس تفصيلا عابرا، وهو بالتأكيد ليس ناجما عن مكابرة او معاندة فردية من قبل مسؤولين يصران على ان مطالبهما محقّة. ثمة خلل معروف في تكوين الرجلين لا يمكن ان يعزى فقط الى خلفيتهما العسكرية. وثمة خلل آخر في ظروف وصولهما الى سدة المسؤولية الرسمية والسياسية، لا يمكن ان يسند الى صناديق الاقتراع التي افرزت اسميهما، والتي كانت على الدوام مثيرة للشك والجدل، او كانت على الاقل نتاج الصدفة.

ومن نافل القول ان الجنرالين سليمان وعون لا يقرآن حتى الصحف، وهما يعتمدان على تحليلات وتقديرات حلفائهما ومريديهما الذين ليسوا في الغالب اكثر دراية منهما بالشأن الخارجي، الذي يمثل في هذه اللحظة مفتاحا لفهم جميع المواقف المحلية، التي لا تبدو معنية جدا بمستقبل الموارنة الذي يستنزف الان اكثر من اي وقت مضى، كما لا تبدو حريصة على موقعهم الاول في الدولة اللبنانية الذي لم يفقد رمزيته حتى الان او على موقعهم الاول في السياسة اللبنانية الذي لم يفقد شرعيته حتى الان ايضا.

يجوز القول ان المعضلة تكمن في الطائفة نفسها التي لا تزال تتصرف وكأنها في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف وما قبل الحرب الاهلية، وهي اذا كانت في السنوات الست الماضية قد اغفلت حقيقة الخروج العسكري السوري من لبنان واهمية ذلك التحول السياسي البارز، كما فعلت غالبية الطوائف اللبنانية، فانها تبدو الان الاقل ادراكا لطبيعة الاضطرابات التي تشهدها سوريا ونتائجها المرتقبة… والتي قد تكون اسوأ من نتائج جميع الحروب الاهلية والاقليمية المتلاحقة طوال العقود الاربعة الماضية، والتي دفع الموارنة وحدهم ثمنها غاليا.

وبعكس الاعتقاد الشائع، والزائف، عن ان تلك المعضلة لن تجد حلا لها الا بتدخل سوري مباشر، فان بكركي والفاتيكان هما المرجع او الوسيط الوحيد القادر على ان يقنع الجنرالين بخطورة الظرف الراهن الذي لا يسمح بمثل هذا الترف السياسي الخطر، ويدفع احدهما الى ابداء المزيد من الواقعية التي تفترضها الاشارات الاولى الاتية من دمشق… والتي تستدعي التسليم لممثل الطائفة في الدولة اللبنانية بمكانته ودوره العسكري والامني، وبالتالي السياسي في المحافظة على مكانة الموارنة والاهم من ذلك على حياديتهم في الصراع الخفي بين الغالبيتين السنية والشيعية، اللتين تتنازعان المسيحيين وتهددان موقعهم الوسطي المطلوب اكثر من اي وقت مضى لضمان بقائهم وبقاء لبنان.

من دون مثل هذا التدخل الكنسي، عبثا يمكن انتظار تفاهم ماروني، او تعقل سني شيعي، او توسط سوري او غير سوري.

السابق
إسرائيل ونفق الأزمات المركبة وتداعي الدور والوظيفة
التالي
سوريا: لماذا الريف ولماذا المؤامرة؟