التباكي على الحرية والديمقراطية.. والدوافع الفعلية

لسنا هنا في مواقع الدخول في سجال مع الطريقة التي تعامل بها البعض مع الأحداث في سورية، فالأمر أوضح من أن تجري التعمية عليه من هذا الرهط المتباكي على «الحرية والديمقراطية» في سورية والتي تصدرها وزارات الخارجية في عواصم الغرب وأميركا من خلال جملة من بيانات «التنديد» السخيفة التي يصدرها المشرع الأميركي الذي ينظر إلى الأمر برمته على الساحة السورية، ليس خوفاً على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، بل في نظرة الغرب إلى سورية كموقع ودور يجب أن تتخلى عنه ضمن إستراتيجية حزمة الضغوط والتهديدات المتعلقة بانفكاك سورية عن القضية الفلسطينية في أحد أهم المطالب الأميركية والغربية لها، وبين هذه وتلك يجري استغلال حفنة من الذين يدعون أنهم «معارضة» لتكرار سيناريوهات بائسة من التلفيق والكذب في بعض الإعلام العربي، هناك بلا شك تكرار للخطاب الأميركي تجاه دمشق ذلك التكرار الذي باسم الواقعية والعقلانية يدعونا للدخول في اللعبة الأميركية- الإسرائيلية لتقديم مزيد من التنازلات وللتساوق مع مشاريعها للمنطقة ولمحاولة إنقاذ أميركا من ورطتها في أكثر من جغرافية عربية وإسلامية.

أحد الذين يكتبون في عصر التمسح «بالديمقراطية» الأميركية ولا يرى وظيفة سوى الردح ضد العرب والسوريين تحديداً وهو يشكل حقاً جزءاً من هؤلاء الذين يرون في الاعتداءات الأميركية والصهيونية «تأديبا» لهؤلاء على مواقفهم بحيث يتساءل بعد (لوك) طويل لكلام ممجوج عن الحرية وضرورة إنهاء القومية العربية، نعم هذا ما يروج له الباحثون عن تحقيق أحلام مريضة الحلول عند أوباما ونتنياهو وكاميرون وساركوزي.
دعونا نناقش المواقف منطلقين من الواقعية التي يعشقها المنسلخون عن انتماءاتهم، ألا يقول الواقع إنه من نظر للتحالف مع الشيطان لا يحق له من قريب ولا من بعيد أن ينتقد الآخر الباحث عن مصالحه الإستراتيجية عبر التحالف مع البشر بدل الشياطين؟ فما يضير أن تتحالف سورية مع الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين والشرفاء العرب دفاعا عن مصالحها ومصالح العرب القومية ؟

أتعجب من هذا البعض العربي وغير العربي، الذي لم يعجبه المسار الطبيعي لعملية الإصلاح في سورية ولا الخطوات التي أقرتها القيادة السورية وبرنامج الحكومة الجديدة، فالمطلوب أن تكون الجبهة الداخلية أكثر سخونة بالأحداث وبالدماء السورية عبر حملة تجييش سياسية وإعلامية منفلته من عقال الحقيقة، وعليه يستمر مسلسل الضغوط الأميركية على دمشق، والتصريحات الأميركية الصادرة من أكثر من زاوية تأتي ضمن قائمة طويلة لكي تقبل التخلي عن مواقفها المتعلقة بأكثر من قضية عربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية للاستفراد الكلي بالفلسطينيين، إذ شكل الموقف السوري صمام الأمان لها بل هي تأتي أيضاً في سياق السياسة الأميركية القائمة على أن «واشنطن قالت بوضوح لدول المنطقة إنها تنتظر منهم المساعدة لإنشاء مجتمع يتمكن فيه الناس من انتخاب قادتهم»، وهو ما يعني في الحقيقة استمرار للجهد الأميركي القائم على خلق مجتمعات أخرى، يبدو هذا الكلام جميلا في سياقه العام لكن ما من شك في أن تلك المجتمعات التي يحاول اليمين الأميركي خلقها ليست لكي يتمكن فيها الناس من انتخاب قادتهم، بل فقط من ترضى عنهم الإدارة الأميركية واستبعاد من لا تراه مناسبا في مشروع الهيمنة على المجتمعات.

إن كل هذه الضغوط والاتهامات التي توجهها الإدارة الأميركية لدمشق لم نكن لنشهدها لو أن السياسة السورية استجابت وقبلت السير في الركب الأميركي، بعبارة أخرى ثمة تساؤلات مثارة عند الكثير من المراقبين العرب والغربيين حول الخطاب الأميركي المتعلق بالديمقراطية والحريات، فهل تسمح تلك الديمقراطية المستوردة بالقوة والضغوط والتهديدات بأن تختار الناس عبر العملية الديمقراطية القوى المناهضة للمشروع الأميركي والصهيوني للمنطقة؟ الجواب في غزة.

المطلوب سورياً لمواجهة الضغوط
ما من شك في أن سورية تهم الكثير من العرب، نتيجة لتاريخ طويل من قومية شعبها والتصاقه الدائم بقضايا كل العرب، وعليه فإن أي حالة حراك سياسي وتحديثي تقوم بها سورية سيكون لها تأثيرها الايجابي على الشعب السوري وعلى المحيط العربي الذي يعتقد أنه كلما اقترب من المشروع الأميركي كان في مأمن من الأخطار المستقبلية وهي قراءة لا نلمسها في السياسة السورية، وإذا قلنا هذا الكلام فلابد من تأكيد أن ما يميز التغيير المطلوب وطنيا داخل سورية ينطلق من حاجات داخلية وطنية تؤدي إلى اكبر اصطفاف وطني سوري لمواجهة التحديات، وتدرك القيادة السورية الممثلة بالرئيس الأسد أن البلد بحاجة للكثير من التطوير والتحديث والإصلاح وهي لا تمارس مراهقة سياسية حين تتعاطى مع الضغوط الأميركية والغربية عبر وكلائها المعروفين للشارع السوري، فالانفراج الذي شهدته سورية مع فتح بوابة الإصلاح السورية للأوضاع الداخلية يحتاج إلى التسريع بخطواته، فعلى الصعيد الداخلي لا يمكن أن تكون مهمة الدفاع عن سورية ملقاة فقط على عاتق القيادة السياسية السورية، بل لا بد أن للقيادة السورية والرئيس بشار تحديداً اتجاهاً لتوسيع الإصلاحات تلبية لحاجات داخلية والمطلوب الانفتاح على معظم القوى الوطنية السورية ووضع حد نهائي لكل ما يعيق هذا الانفتاح وهي خطوات تكسب كل فئات الشعب السوري.

نقول هذا الكلام دون مجاملة ولما لسورية من مكانة خاصة عند المواطن العربي والقوى القومية العربية التي تنظر بأمل كبير للرئيس بشار الأسد الذي يعمل على ضخ دم جديد في مستويات السياسة السورية التي تجعلها أكثر قوة في درء الأخطار التي تواجهها والتي تهدف في النهاية إلى تهميشها وإضعافها وجعلها دولة ثانوية في قضايا المنطقة.

السابق
لقاء في النبطية أكد الالتزام بالقوانين وعدم التعرض للحريات
التالي
نتنياهو في بريطانيا لعرقلة “الدولة الفلسطينية”