الربيع العربي: نعمة ونقمة لإيران وتركيا

مصر الديموقراطية، وليس تركيا غير العربية، ستصبح النموذج الحقيقي في الشرق الأوسط. أما ايران المستفيدة، نوويا، من انهماك الغرب فإنها تواجه خطر رص صفوف معارضتها وخطر خسارة سوريا.

ما هي القوّة الإقليمية التي تحقّق الفائدة الأكبر من التغيير الديموقراطي الثوري الذي يشهده العالم العربي: إيران أم تركيا؟ يُطرَح هذا السؤال أحياناً في إشارة إلى النظامين السياسيين المختلفين جداً في البلدين اللذين يُقدّمان نموذجين بغاية الاختلاف للربيع العربي في المنطقة.

لا شك في أنه بالنسبة إلى الغرب – أميركا وأوروبا – تركيا هي البديل المفضَّل من إيران. فالنموذج التركي ذو النظام السياسي الديموقراطي والعلماني الخاضع لقيادة "حزب العدالة والتنمية" المؤيّد للإصلاح والإسلامي باعتدال، أكثر جاذبية بكثير للغرب. على الرغم من استقلالية أنقره الجديدة وخلافاتها الجدّية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تزال تركيا شريكا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي عيون معظم الغربيين، ديموقراطية زميلة تطمح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. أما إيران فهي نقيض النموذج التركي من خلال نظامها السياسي الثيوقراطي والأوتوقراطي والمتشدّد في معاداته للغرب.

بيد أن السؤال الحقيقي ليس ما يفضّله الغرب بل ما يريده العالم العربي نفسه. من المنطقي القول بأن تركيا تمثّل البديل الأفضل بالنسبة إلى شباب المدن العرب الذين يقفون خلف الانتفاضات الديموقراطية. فلماذا قد يرغب الشباب المصريون في استبدال حكم مبارك الأوتوقراطي بنوع آخر من الأوتوقراطية على الطريقة الإسلامية كما هو الحال في إيران؟ من هذا المنظار، تركيا هي المنتصرة الواضحة في الربيع العربي لناحية قدرتها على الفوز بقلوب الجماهير العربية وعقولها. وليس من قبيل المصادفة أن الفئات العلمانية الديموقراطية وجماعة "الإخوان المسلمين" الأكثر محافظة تلتقي على قول كلام إيجابي عن النموذج التركي.

لكن على الأرجح أن الربيع العربي سيكون نعمة ونقمة على السواء لتركيا. والسبب بسيط: كانت تركيا تملأ فراغاً في القيادة في العالم العربي. فالفشل الذريع للمنطقة هو الذي كان في قلب المحنة العربية والإعجاب الشديد بتركيا. والآن بفضل الثورات الديموقراطية والربيع العربي الذي يجتاح المنطقة، لن يعود هناك فراغ في القيادة في المستقبل القريب. وفيما ترسي مصر أسس نظام أكثر ديموقراطية، سوف تصبح هي، وليس تركيا غير العربية، النموذج الحقيقي في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي أصبح فيه العالم العربي أكثر توحّداً بفضل قناة "الجزيرة"، سوف يكون لنجاح بلد عربي صدى أوسع بكثير في الشارع العربي من نجاح تركيا الغريبة والغامضة والبعيدة نسبياً. لهذا السبب الربيع العربي هو نعمة ونقمة في آنٍ واحد للقوة التركية الناعمة في المنطقة. كانت الساحة مفتوحة على غاربها أمام تركيا. أما الآن فستواجه منافسة وسيكون هذا أمراً جيداً للعالم العربي.

ماذا عن إيران؟ هل يُحتمَل أن تفيد من الربيع العربي؟ الجواب المقتضب هو أن الوضع الراهن هو نعمة ونقمة لها أيضاً. يصبّ عدم الاستقرار في الشرق الأوسط في مصلحة الاقتصاد الإيراني نظراً إلى الارتفاع الشديد في أسعار النفط. وإيران هي بأمس الحاجة إلى هذه السيولة الإضافية في وقت بدأت العقوبات الدولية تؤثّر في اقتصادها. يقطع الفارق في سعر برميل النفط الذي ارتفع من 90 دولاراً إلى 120 دولاراً، شوطاً كبيراً في التخفيف من الوطأة على الاقتصاد إذ يتدفّق مزيد من الأموال إلى الخزائن الإيرانية. وتساعد هذه السيولة الإضافية في تعطيل تأثيرات العقوبات الدولية التي تهدف إلى إرغام إيران على وقف برنامجها النووي.

والعامل الأساسي الآخر الذي يصبّ في مصلحة إيران هو أن العالم منهمك بالانتفاضات. فالقتال في ليبيا ودور الناتو هناك كان بمثابة هديّة من السماء بالنسبة إلى طهران لأنه يتيح لها مضاعفة نشاطاتها في برنامجها النووي المحظور. على الرغم من أن فيروس المعلوماتية "ستاكسنت" تسبّب بمشكلات خطيرة لإيران، من المرتقب أن يبدأ العمل بمفاعل نووي جديد الشهر المقبل، ويبدو أن طهران تسير من جديد نحو تطوير كل العناصر الضرورية لامتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي على وجه السرعة عندما تقرّر ذلك.

لكن ليست كل الأمور على ما يرام على الجبهة الإيرانية. فالانتفاضات الديموقراطية في العالم العربي دفعت بالحركة الخضراء المعارضة في إيران إلى رصّ صفوفها. أصبح الرياء الإيراني في دعم الربيع العربي واضحاً عندما قمع النظام الحركة المعارضة في الداخل. وفي الختام، تواجه إيران خطر خسارة سوريا، في حال حصلت تطوّرات إضافية في دمشق. باختصار، إيران وتركيا هما أمام مشهد متضارب في العالم العربي.
ترجمة نسرين ناضر – النهار

السابق
فضل الله: المقاومة ستظل شامخة لن تهزمها الأوهام التي تعشعش في رؤوس البعض في لبنان
التالي
خريس: أهالي الجنوب هم تحت القانون وليس فوقه