التدخل الغربي في ليبيا: خيانة للثورة السلمية

هل يصل ما سمي بـ «ربيع الثورة الليبية» إلى نهاية مخيّبة؟!.
لقد صبغ التدخل الأجنبي أحداث ليبيا بطابع عنيف، ما قوّض السمة السلمية التي حاول شباب ليبيا أن يظهروا بها للعالم، ليكسبوا تعاطف الناشطين في جميع أنحاء العالم، وجاء تدخل الغرب المثير للريبة في ليبيا ليطرح الكثير من إشارات الاستفهام، حول ما إذا كانت موجة التضامن الشعبية المؤيدة للديمقراطية، ستصل إلى طريق مسدود في شوارع طرابلس، بوجود القوات الأمريكية والأوروبية التي تدعم التمرد المسلح.

لقد جاء خطاب الرئيس أوباما في وقت متأخر لتبرير تدخل حلف الناتو، وحمل في طياته نداءات بالمبادىء الإنسانية نفسها، التي أثارها سلفه جورج دبليو بوش، من أجل شن الحرب على العراق، كما تفيض كلمات أوباما أيضاً بـ «الانتقائية المزدوجة» في قرارات واشنطن، من أجل حماية الإنسانية في مكان، والتغاضي عن الأمر في مكان آخر، والأزمة في ليبيا تطرح الآن أسئلة صعبة، حول ما إذا كان التدخل الدولي سيحرز تقدماًَ، أو أنه سيخنق التمرد فقط.

وبين سطور خطاب أوباما يلوح السؤال التالي: هل يتعارض التطبيق التلاعبي للتدخل تاريخياً مع قرار مسؤولية الحماية، ويكون في حدّ ذاته سبباً للتشكيك بنوايا هذا القرار؟!.
قال «خوان كول»، المحلل اليساري للشؤون السياسية في الشرق الأوسط: إن التمرد في ليبيا على توازن مع الاستخدام الشرعي للقوة.
إن قصف القوات الأمريكية أو الناتو في اليمن لن يؤدي إلى أي نتيجة على الإطلاق، وفي اعتقادي لا يوجد شخص يريد التعرض للقصف في اليمن، ولكن في ليبيا هناك فرق شاسع، حيث يتم الأمر من أجل النفط وحفظ الحركة الاحتجاجية الشعبية، التي تشمل العديد من العمال والناس العاديين.

ويقول «فيليس بينس»، المحلل السياسي في السياسة الخارجية: إذا كان الهدف الاستقرار، هناك أدلة كافية على أن الغارات الجوية لن تؤدي إلى أي نوع من السلام الدائم، وقرار الأمم المتحدة واضح جداً في استخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين الليبيين، ولكن في الوقت نفسه وضّحت القوى الغربية أن الهدف السياسي هو تغيير النظام في ليبيا، ومن المفارقات أن نقول: إن الزعيم الليبي معمر القذافي فقد شرعيته، لأن القادة الغربيين يضيّقون على المفاوضات، التي يمكن أن توفر فرصة أكبر في الهدف الذي يسعون إليه، وهو إبعاد القذافي عن السلطة.

إذا كان هدف التحالف هو تغيير النظام باستخدام القوة العسكرية، من خلال الصيغة الغربية المعروفة، فسيتم إذاً بقاء تحالف الأمم المتحدة لتبرير ما نشر من وسائل وحشية من أجل التوصل إلى نتائج مثمرة، وهنا نصل إلى نتيجة واضحة مفادها، أن لا نهاية مؤكدة لهذا التدخل، وأن احتمال فشله أكبر بكثير من نجاحه.

بالطبع كانت هناك دعاية خبيثة لإثارة الرعب، وإيهام العالم أن نظام القذافي سيلجأ إلى استخدام القوة لقمع التمرد، الأمر الذي قد يؤدي إلى إصابات بالغة بين صفوف المدنيين، لكن مثل هذه الاعتبارات الإنسانية في حدّ ذاتها لا تميز ليبيا عن أماكن أخرى عديدة في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث يوجد أيضاً سبب وجيه للخوف من سقوط ضحايا من المدنيين في دول كثيرة، فلماذا إذاً يتم التركيز على ليبيا دون سواها؟!.
من أهم العوامل التي تميز ليبيا:
أولاً: لم يكن لدى نظام القذافي تحالف قوي مع أي قوة عظمى من شأنها أن تحميه من تدخل كهذا.
ثانياً: تقع ليبيا على البحر المتوسط، وأي صراع طويل الأمد فيها، سيخلق مخاطر تدفقات الهجرة واللاجئين إلى أوروبا.
ثالثاً: ليبيا دولة غنية بالطاقة، وأي نزاع طويل الأمد سيؤدي إلى اضطراب في أسواق الطاقة.
وأخيراً، كان القذافي معزولاً بما فيه الكفاية على الصعيد الإقليمي، وخاصة في العالم العربي، حيث كان يشكل مصدر إزعاج لكثير من الدول العربية، ولا سيما السعودية، وبالتالي فإن خطر حدوث ردّ فعل عنيف ضد هذا التدخل كان منخفضاً نسبياً.
إذاً، هناك الكثير لنراه تحت راية «مسؤولية الحماية»، ومن ضمنه التدخل الإنساني للناتو الذي يحمل في طياته السياسة النفطية والقلق في أوروبا حول أزمة الهجرة، ورغبة واشنطن بوثائق التفويض المؤيدة للديمقراطية التي تزعمها، فإذا كان الهدف دعم التمرد الصديق للولايات المتحدة، فعلى واشنطن أن تنظر إلى تاريخها بتسليح المتمردين، وتهيئتهم كي يصبحوا طغاة، كما فعلت في أفغانستان وهندوراس وغيرهما.

يرى «فيجاي براشاد»، أستاذ الدراسات الدولية في كلية ترينيتي، أن السخرية البحتة وراء مبادرة الأمم المتحدة لتوجيه ضربات عسكرية، تهدف إلى إذكاء العنف في جميع أنحاء المنطقة، وقد سهّل القذافي ذلك التدخل بالقوة العسكرية لوضع حدّ للانتفاضة العربية في أي مكان.

وقال «فيجاي براشاد» في إشارة إلى غزو العراق عام 2003: كانت الأمم المتحدة لتفعل ما فعلته في 2003 بتوفير غطاء لعمل الولايات المتحدة المسلحة.
من المهم أن ننظر إلى ما يحدث في ليبيا وفي المنطقة، على أن التدخل الغربي الجائر، يعرقل روح وأصالة الثورة العربية.
إن ما نال إعجاب الناس في ثورة الشباب التونسي والمصري، لم يكن مجرد شجاعتهم، إنما النزاهة الأخلاقية للخروج من دائرة الاستبداد والنزعة العسكرية والإرهاب، على الرغم من تطور الأزمة الليبية للدوافع نفسها، إلا أنها خرجت عن مسارها فقط بسبب تدخل قوى خارجية بحجة التأييد للديمقراطية.

لذلك ومهما كانت ثمار هذه «الانتفاضة»، سوف يحمل مصير المتمردين بصمات قوة عظمى تقودها مصالحها الجيوبوليتيكية، وليس مسؤولية الحماية التي تتزعمها.
إن سياسة الأمر الواقع في ليبيا، حسب أحلام الغرب، هي التخلص من القذافي، وفي الوقت نفسه الدخول في موسم جديد لخيبة الأمل في المنطقة، وهو موت بذور الثورة السلمية قبل أن تتاح لها فرصة كي تقدم زهوراً، بسبب التدخل الأجنبي الظالم.
ترجمة عائدة أسعد- البعث

السابق
حرب الحرية في أوروبا
التالي
عكاظ عن مصادر في 14 أذار: الاتهامات السورية ضد “المستقبل” ليس هدفها التيار بحد ذاته