نشيدنا الوطني… لبناني 100%

«بدأ كل شيء مصادفة. لو ان أحد اصدقاء غسان الرحباني، لم يكتشف عَرَضاً ذلك اللحن الأليف في وثائقي للمخرجة سيمون بيتون عن المناضل المغربي مهدي بن بركة، لما دخل النشيد الوطني دائرة الضوء من زاوية لا يحسد عليها».
اللحن الذي سمع فؤاد خوري منه بضع ثوان، لم يكن سوى النشيد الوطني اللبناني، مع كلمات مغربية… وفي «جينيريك» الفيلم، قدّم اللحن الذي يعود الى مطلع العشرينات، بصفته من «الفولكلور الوطني المغربي». عجباً، هناك نشيد توأم للنشيد الوطني اللبناني؟هكذا قدم «عاشق لبنان» الموضوع عبر الانترنت، لكنه في الوقت عينه كتب ان أحداً في المغرب لا يعرف عن نشيد جمهورية الريف. واضاف «نشيدنا لبناني 100% وغسان الرحباني تسرع».

وكبرت كرة الثلج مما حمل رئيس الجمهورية على متابعة الملف بأن أوكل الى رئيس المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار) الدكتور وليد غلمية متابعة الملف والتأكد من حقيقته. أما الكاتب اللبناني خليل حنون الذي يعمل منتج برامج وثائقية في قناة «الجزيرة» فيؤكد ان النشيد الوطني هو لبناني مئة في المئة بعكس ما اثاره السيد غسان الرحباني إذ شكك، لا بل أكد، ان هذا النشيد ليس اصيلاً في لبنانيته وبأنه النشيد الرسمي لجمهورية الريف المغربية التي تأسست في 18 أيلول عام 1921. واستند في ادعائه هذا الى مقطع لنشيد مأخوذ من وثائق عن المعارض الاشتراكي المغربي مهدي بن بركة! واستند أيضاً الى تاريخ كتابة قصيدة نشيد بطل الريف للشاعر الراحل ابرهيم طوقان، واعتمد تاريخ كتابة القصيدة على انه تاريخ تأليف النشيد المزعوم لجمهورية الريف، وهو بذلك وقع في أولى مغالطاته ضمن مغالطات عدة وكبيرة أهمها:
– لا مصدر أو مرجع يذكر ان لجمهورية الريف نشيداً وطنياً، كما ان الوثائقيات التي شاهدتها والتقارير التي تحدثت عن عبد الكريم الخطابي وجمهورية الريف لم يذكر أي منها ان لهذه الدولة نشيداً، وإنما الجميع أتى على ذكر علم هذه الدولة وعملتها الوطنية فقط.

– لا أعتقد ان تأليف نشيد وطني كان من أولويات جمهورية الريف التي كانت مؤلفة من تحالف قبائل أمازيغية وكانت همومها كثيرة، منها هموم داخلية على صعيد الوحدة وإنشاء البنى الاساسية للدولة. ومنها هموم خارجية تتمثل في المحاولة المستميتة لانتزاع اعتراف الدول الكبرى بها وهو أمر لم يتحقق.
– لحن النشيد هو غربي أو على مقاييس النشيد العسكري الاوروبي. وقد عُرفت جمهورية الريف باعتزازها بهويتها الاسلامية الشرقية، وكان عبد الكريم الخطابي يفتخر دائماً بأن دولته هي الوحيدة التي لم تطأها أرجل الاوروبيين. فكيف بعد هذا الاعتزاز الوطني العالي بالهوية والانتماء يقوم باعتماد نشيد على نظم إيقاعات المستعمر الاوروبي؟
– فات السيد الرحباني ان جمهورية الريف هي جمهورية أمازيغية، وبالتالي فأي نشيد لها كان على الارجح سينشد بهذه اللغة. وفي مواقع الانترنت الأمازيغية والتي تطالب بعودة جمهورية الريف وخصوصاً في الفيديوات التي يبثونها على «يوتيوب» وغيره يستخدمون في دعوتهم نشيد القبائل الأمازيغية، الذي هو أقرب الى ان يكون نشيداً لهذه الدولة.
– تسرّع السيد غسان الرحباني وادّعى أن «نشيد بطل الريف» لحن واعتمد عام 1924 استناداً الى التاريخ المطبوع أسفل قصيدة الشاعر ابرهيم طوقان دون ان يفطن الى أن هذا تاريخ كتابة القصيدة على عادة الشعراء، وأن الملاحظة المدونة أسفله بأنه تلحين محمد فليفل لا تربط بالضرورة وقت التلحين بهذا التاريخ، إذ ان فليفل تعرّف الى طوقان في هذه الفترة أو بعدها وكان نشيد «موطني» أول تعاون بينهما وفق تسجيل إذاعي لفليفل نفسه (1).

– ولكن هل هناك صلة بين النشيد الوطني اللبناني وقصيدة «نشيد بطل الريف» أو عبد الكريم الخطابي؟ الصلة موجودة لكن ليس بالطريقة الانتقائية. لقد قام الاخوان فليفل بتلحين قصيدة «نشيد بطل الريف» ليقدماها هدية للخطابي. وعندما أعلنت مسابقة اختيار النشيد الوطني اللبناني عام 1927 طلب منهما وضع تفاعيل النشيد فاختارا وزن قصيدة نشيد بطل الريف لتكون المعيار. وقام الشعراء المتقدمون للمسابقة بنسج قصائدهم على إيقاعها ومنهم الشاعر رشيد نخلة، وقد لحّن هذه القصيدة وقتها وديع صبرا وفازت بالمسابقة واعتمدت نشيداً وطنياً لبنانياً (2).

– نوعية تسجيل النشيد المزعوم في الوثائقي عن بن بركة ترجع الى الخمسينات على أقدم تقدير. واللقطات الموضوعة عليه هي من عام 1959 وفق الفيلم وتعود للملك المغربي وليس لجمهورية الريف. إذاً فتسجيل نشيد بطل الريف ليس أقدم من تسجيلات نشيدنا الوطني اللبناني ولا دليل هنا على الأسبقية. وربما أن كلمات «نشيد بطل الريف» أعيد وضعها في قالب شبيه بالنشيد الوطني اللبناني كون قالب النشيد الموسيقي مناسباً بسبب التقارب العروضي في الشكل والمبنى (3).

– فاز لحن وديع صبرا بمسابقة النشيد الوطني عام 1927 وحل في المرتبة الثانية نشيد الأخوين فليفل. ووقتها كان الاخوان مشهورين بالاناشيد واطلاعهما الواسع على هذا العالم. وقد قدما اعتراضهما على نشيد وديع صبرا «كلنا للوطن» (4) ولكنها كانت كلها اعتراضات فنية لتحسين النشيد ومعانيه. ولم ينتقدا يومها بأن هذا اللحن مسروق أو مكرر.
النشيد الوطني اللبناني

كلنا للوطن للعلى للعلم ملء عين الزمن… سيفنا والقلم
سهلنا والجبل منبت للرجال
قولنا والعمل في سبيل الكمال
(أقر 1927 في عهد الرئيس شارل دباس، وألّفه رشيد نخله، ولحّنه وديع صبرا)

نشيد الريف المغربي

كلنا يعجب بفتى المغرب
كلنا يطرب لانتصار الأبي
أين جيش العدا إن دعا للجهاد
(أقر عام 1924، كتبه الشاعر الفلسطيني ابرهيم طوقان وألحان محمد فليفل)
آراء الناس

انشغل اللبنانيون بالتقرير، وراجت عبر «فايسبوك» الاخبار والشائعات والاضافات على الخبر، ولم تقتصر الحملة على اللبنانيين بل امتدت اولا الى المغرب بكثير من التعليقات ومن ثم الى دول عربية عدة.
المغربيون بمعظمهم لم يتأثروا بالخبر سلباً، بل ركز العروبيون منهم على انهم ولبنان واحد في العروبة، ويمكن «تقديم النشيد هدية للبنان» اي انهم تنازلوا عن حقوقهم (وهم ليسوا ورثة)، لكن بعضهم الآخر قال ان لبنان يعاني الفساد حتى منذ قبل الاستقلال، وان اللبنانيين يتاجرون بكل شيء.
في لبنان نزعة الى تصديق كل الاخبار والشائعات، وقد تدفقت التعليقات على «فايسبوك» خصوصا بعدما تبنت مواقع الكترونية حزبية الحملة، كأنها تقتص من غريم او خصم في السياسة، او ربما لأسباب مذهبية طائفية، فالتعليقات جاءت قاسية بعدما جزمت بوقوع «الجريمة» ولم يبذل احد جهداً للبحث عن الحقيقة.
تعليقات مغاربية

وفي ما يأتي أمثلة من التعليقات المغربية:
«ليس هناك أدنى مشكلة. كلنا عرب وكل الأناشيد الوطنية العربية وأعلامها واحدة لكل مواطن عربي أياً كان انتماؤه. كلنا عرب وكلنا نفتخر فلا مشكلة بالنسبة الينا كمغاربة. نحن إخوة».
«على الحكومة اللبنانية الاعتذار وتغيير النشيد الوطني».
«شاهدت برنامج هذا الغسان الذي يدّعي ان المغرب سرق نشيدهم الوطني. نحن المغاربة احفاد المجاهدين الذين اخرجوا الاستعمار الفرنسي بكل عز وافتخار يأتي ابن البارحة ويدعي اننا سرقنا نشيدهم، والنشيد في الاصل مغربي ومنذ صغري وأنا اسمعه على شاشتنا المغربية، وما يحير انه قال سيبت الموضوع في المحكمة. لا مشكلة لدينا. سنرى من سرقه من الآخر، ومن جهتي لن أتنازل عنه لانه ارث يخص المغرب».
«يعني والله نحنا العرب مش ناقصنا خلافات لحتى تطلعلنا بشغلة جديدة… يكفينا يلي فينا».
آراء لبنانية

– روي حداد (موظف): لا تعليق. أنا اصلاً لم أردد النشيد الوطني منذ زمن طويل وقد نسيت معظم جمله باستثناء المقطع الاول، وغالباً ما اخطىء في الكلمات.

– خليل ابرهيم (طالب): آسف اذا ثبت ان نشيدنا مسروق لأن كل شيء في البلد مزور ومسروق. نحن نعيش في كذبة كبيرة.

– محمد العمار (موظف): لم اسمع بهذا الخبر. ولا أظنه نشيداً مسروقاً فكلماته من الواقع اللبناني وخصوصاً انه يتحدث عن الارز. اما اللحن فكله متشابه. ويقال ان الحان بيت الرحباني كلها مسروقة.

– ماري انطون (مدرّسة): سنظل نردد النشيد مع الأولاد في المدرسة حتى تقرر وزارة التربية الغاءه. وقلنا لتلامذتنا ان ما بثه التلفزيون غير صحيح.
مسؤولية تجاه الأجيال المقبلة

تقول معدّة التقرير في «الجديد» راشيل كرم: «اليوم، نحن مسؤولون أمام الاجيال المقبلة.
إذا تأكد الامر سيكون من الواجب تغييره، وإذا تأكد لدينا أنه ليس لنا، سيرافقنا في كل مرة نسمعه شعور بعدم امتلاكه، وهذا دافع كافٍ لكل مواطن الى المطالبة بتغييره».
وأكدت أنها ستكمل المشوار، وترفع الامر الى الجهات المختصة، واعدة اللبنانيين بمتابعة الامر الى ان تكشف الحقائق.
حكم القضاء: الملف معقد ولا اثباتات!

في حال ثبت عدم لبنانية النشيد 100%
ماذا يقول القضاء؟
يجيب احد القضاة «نهار الشباب» (يريد اذنا من وزير العدل لذكر اسمه):
اولاً: يجب فتح تحقيق رسمي في الموضوع، وبما ان لا شكوى حتى تاريخه، وبما ان الموضوع وطني بامتياز، فان على الرئيس او الحكومة التحرك في هذا المجال، لتكليف لجنة تقصي حقائق.
ثانياً: ان المرتكب في حال وجوده له حق الدفاع عن النفس، وتوضيح ما من شأنه ان يخدم العدالة، أما وان المتهمين توفوا، فلا مجال للادعاء عليهم اذ ان موضوع الشكوى لا ينتقل الى الورثة، خصوصاً أنهم لا يعلمون حتما بالوقائع.
ثالثا: ان موضوعات وطنية دقيقة كالنشيد الوطني لا يمكن التعامل معها بخفة وطلب اعتماد نشيد جديد الا في حال ثبوت السرقة (اللحن والايقاع)، وهنا ايضا لا يمكن القضاء ان يتخذ قراره، لأن الامر يتطلب قراراً في مجلس الوزراء، يوافق عليه مجلس النواب، ويوقعه رئيس الجمهورية.
وفي رأيه الشخصي «ان اثبات الامر من عدمه امر معقد خصوصا ان جمهورية الريف لم تعد موجودة ولا وثائق ارشيفية واضحة لها يمكن العودة اليها، وعملية التدقيق في المعلومات المتضاربة قضية وطنية غير ملحة حالياً خصوصاً اذا ما ثبت ان ملحن النشيدين لبناني، مما يعني انه صاحب مدرسة موسيقية قد تظهر معالمها في اكثر من نشيد واكثر من اغنية».
هوامش ومراجع

(1) ليس هناك تحديد لتاريخ تلحين نشيد «موطني»، والأرجح انه تم بين عامي 1924 و1929 أثناء دراسة طوقان في الجامعة الاميركية. والمصادر التي تشير الى عامي 1930 و34 أو 36 إنما هي مخطئة كون طوقان لم يكن مقيماً في لبنان في تلك التواريخ. وبحسب رواية محمد فليفل الاذاعية فإنه يذكر انه التقى طوقان وهو لا يزال طالباً في الجامعة.
(2) تراجع أطروحة العقيد جورج حرّو – الاخوان فليفل حياتهما وأعمالهما: النشيد نموذجاً. ص 60-62، جامعة الروح القدس – الكسليك.
(3) وهناك سوابق عدة جرت في بلاد المغرب تؤكد ذلك حيث حصل في الجزائر وتونس ان تبدلت أناشيد مشهورة بوضع كلمات جديدة لها مثل نشيد جزائرنا يا بلاد الجدود، ونشيد هوى وطني فوق كل هوى وهو نشيد للأخوين فليفل جرى تبديل كلماته.
(4) قدما اعتراضهما مرتين، مرة الى اللجنة ومرة الى رئيس الجمهورية بشارة الخوري. وقد ذكر أمر الاعتراض الخاص الى اللجنة في أطروحة العقيد جورج حرّو «الاخوان فليفل حياتهما وأعمالهما: النشيد نموذجاً». (ص 69، جامعة الروح القدس – الكسليك).

– كتاب تحت الطبع عن الاخوين فليفل من تأليف محمد كريم – الموسوعة البريطانية – ويكيبيديا باللغة العربية والانكليزية – أطروحة العقيد جورج حرّو –وثائقي عن بطل الريف الخطابي من إنتاج «الجزيرة» – تسجيلات صوتية للاخوين فليفل – صفحات عديدة على الانترنت – مقاطع فيديو متنوعة إخبارية ووثائقية من الانترنت – مقابلات مع عائلة فليفل تم تسجيلها بعرض انتاج وثائقي عن الاخوين.
غسان الرحباني: نريد نشيداً جديداً

أثارت قناة «الجديد» جدلاً كبيرا عندما أذاعت في نشرتها الأسبوع الفائت احتمال ان يكون لحن النشيد الوطني اللبناني، وبعد 84 عاما من اعتماده عام 1937، مسروقا من نشيد مغربي، وكان الفنان غسان الرحباني قد ذكر هذا الامر عبر برنامجه «غني مع غسان» وقال الرحباني أنه كان يتابع محطة «توتبل ستوار» وقد صادف عرض تقرير عن المغرب، وبث نشيد يضم جملا موسيقية قريبة، بل متلاصقة، بالجمل الموجودة في النشيد الوطني اللبناني.
وقال غسان: «ارسلت في طلب نسخة عن التقرير من بلجيكا، كون الفضائية موجودة هناك، كي اشاهده بتمعن اكبر. وقد ارسلت إخباراً عبر البرنامج الى قيادة الجيش اللبناني من اجل التحقيق في الموضوع، لمعرفة ما اذا كان نشيد جمهورية الريف التي تأسست عام 1921 وانتهت عام 1926 واعتمدت نشيد بطل الريف عام 1924 بينما تم اعتماد النشيد الوطني اللبناني عام 1927 اي بعد 3 سنوات من النشيد المغربي، ما يعني ان لحن النشيد الوطني اللبناني هو الثاني وليس الاول» واصفا الامر بالكارثة ومشبهاً اياه بولد يكتشف ان امه ليست امه.
وتابع: «ان التشابه ايضاً موجود حتى في الشعر في البداية للنشيد المغربي بكلمة كلنا: كلنا يعجب بفتى المغرب، والنشيد اللبناني: كلنا للوطن». وطالب الرحباني بقول الحقيقة للأجيال المقبلة لتؤمن بهذا الوطن وبانشاء محكمة فكرية لبت الالحان اذا كانت مسروقة ام لا، وشدد على ضرورة تغيير النشيد الوطني لأنه ليس للبنان رغم انه يحمل ذكريات الشعب اللبناني، ولكن يجب قول الحقيقة ولو لمرة واحدة.

السابق
مباراة العلوم 2011 في النبطية “اختبر قدراتك”
التالي
الحص: نأمل ان تكون الحكومة بعد الفصح مباشرة