تكرير الصرف الصحي في صيدا: “عبّارة” جانبيّة ومياه “معوكرة”

قبل أشهر، ربطت بلدية صيدا «ثمانية مجارير» كانت تصبّ في البحر بمعمل تكرير المياه المبتذلة في محلة سينيق. أخيراً، اكتشف مواطنون «غشاً» في طريقة عمل المعمل الموضوع حالياً بعهدة مجلس الإنماء والإعمار

صيدا | من يمر بمحلة سينيق في صيدا بإمكانه أن يلاحظ وجود «عبّارة» جانبية فُتحت من معمل تكرير المياه المبتذلة باتجاه مصبّ نهر سينيق، لعبور كميات كبيرة من المياه الملوثة باتجاه البحر. تدبير برّره البعض بضرورة استثنائية هدفها «التوفير» في استهلاك كميات المازوت التي يتطلّبها تشغيل المولدات عند انقطاع التيار الكهربائي.

«عبّارة مفتوحة على وسعها» حوّلت مصب النهر إلى سيل جارف من المياه الآسنة، ورائحة كريهة تزكم أنوف عمال المدينة الصناعية. المياه تصبّ في البحر بعد أن تمرّ على معمل التكرير من دون أن تعالج. سكان المنطقة يلفتون إلى أن تسريب المياه المبتذلة يحدث منذ مدة طويلة ويجري لساعات طويلة خلال النهار وربما الليل. ويرصد محمد درويش، عامل في المدينة الصناعية القريبة من المعمل، «أكثر من ست ساعات يومياً يقذف فيها المعمل مياه المجاري الملوّثة»، واصفاً الأمر «بالفضيحة البيئية»، وسائلاً «عن التضليل في طريقة عمل المعمل، ومن المسؤول عن غش المواطن؟». لكن المسؤولية ضائعة. فمصادر بلدية صيدا أكدت لـ«الأخبار» أنّها غير مسؤولة عن عمل المعمل، وأنّ مجلس الإنماء والإعمار هو من يدير المعمل حالياً. وذكّرت المصادر بأنّ بلدية صيدا تحمّلت مسؤوليتها في تحرير الشاطئ الصيداوي من ثمانية مصبّات مجاري كانت تصب سابقاً في البحر وتلوّثه.

مصادر وزارة الأشغال حمّلت هي أيضاً المسؤولية لمجلس الإنماء والإعمار. لكنّ أعضاءً في المجلس البلدي في صيدا رفضوا ذكر اسمهم أكدوا حصول خلل في طريقة عمل المعمل، «وهناك كميات من المياه المبتذلة لا يجري تنظيفها ولا فلترتها تحوّل إلى البحر». هؤلاء برّروا إقدام المشرفين على المعمل على فتح قناة جانبية لتصريف مياه مبتذلة إلى البحر بالقول «إنّ الهدف هو توفير كميات المازوت التي يتطلبها تشغيل مولدات كهربائية يضطر العاملون في المعمل إلى تشغيلها عندما ينقطع التيار الكهربائي». تسويغات رفضها سكان منازل قريبة من مكان وجود المعمل. ويتهكّم أبو محمود المصري قائلاً: «شو هالكذبة، بكهربا ومن دونها المياه المبتذلة مفتوحة على وسعها، والقرف عم يزيد، والضخ شغّال»، لافتاً إلى أنّ «كارثة بيئية حقيقية ستقع، فالرائحة الكريهة تنغّص حياة المواطنين في سينيق بعدما كنا قد توهّمنا أنّهم رفعوا التلوّث عن البحر».

وظيفة المعمل لا تشمل تحلية «المياه المبتذلة» واستخدامها مجدداً، بل تصفية الرواسب وفلترتها ومن ثم ضخّها «نظيفة» وخالية من رواسب المجارير عبر قسطل يمتد بعمق 2 كلم داخل البحر، وما ينتج من رواسب بعد الفلترة يترسّب في حفر داخل مبنى المعمل مختصة بهذا الأمر.

بعض المواطنين شكّكوا في أداء المعمل لوظيفته «على أكمل وجه»، ويشير أحد جامعي الخردة إلى أنّه لاحظ مرات عدة «مياهاً معوكرة عند نقطة ضخ المياه في عمق البحر»، لافتاً إلى أنّ المياه الآسنة لم تعالج ولم تنظف من الرواسب، بل قُذفت إلى البحر كما هي من دون أي تدخل». مواطن آخر يشرف منزله على موقع المعمل يشير بإصبعه إلى «برك الترسّبات» داخل المعمل كيف هي ممتلئة ولم تنظّف «منذ فترة»، على حدّ قوله، مضيفاً «أن عدم تنظيفها دورياً كما كان يحصل سابقاً، معناه أن المعمل لا يمارس وظيفته جيداً».

وكانت الحكومة اليابانية قد منحت مجلس الإنماء والإعمار مساعدة مالية قيمتها ثلاثمئة ألف دولار أميركي من أجل البدء بتشغيل معمل التكرير، بهدف التخلص من كارثة بيئية حقيقية، نتيجة لانتشار مصبّات عشوائية للمجاري بين نهري الأوّلي والزهراني، راحت تمعن في تلوث مياه البحر وتسهم في القضاء على الثروة السمكية.

السابق
البنزين يحرّك السائقين: إضراب عام!
التالي
طلاب لبنانيّون يُخلون مقاعدهم في سوريا