الطاقة النووية لعنة القرن الحادي والعشرين

حتى في سياق الأحداث الأقسى، يظهر دائماً متفائلون ليخففوا من وطأة الأحداث· وفي الوقت الذي تعيش اليابان كارثة نووية كبرى، يثير المتفائلون حماستنا لأداء المهمة النبيلة التي تقع على عاتقنا: يقولون إن الوقت ليس للانهيار، لأن حقبة جديدة أكثر عقلانية وديمقراطية وعدالة تُفتتح، حيث سيكون في الوسع الاعتراف أخيراً بأن الطاقة النووية ملك عام عالمي يفترض إدارة عابرة للأوطان مسؤولة ومتنورة·

كيف يمكنهم نشر اعلانات مهينة إلى هذا الحد في الظروف الحالية؟ كيف يمكنهم الدفاع عن الصناعة النووية فيما نتذكر برهبة عواقب الخيار هذا الذي اتخذ رغماً عن الرأي العام؟ وباسم التقدم والمصلحة العامة للبشرية، يتعين إظهار الطاقة النووية كما لو أنها الخيار الذي يتبناه عقلانيون نزيهون وأكفاء·

والخطاب السياسي الذي تتحلق الطبقة السياسية الفرنسية حوله اليوم – باستثناء <الخضر> وحزب من اليسار المتطرف – يجعلها تقف بلا حراك أمام الكارثة يغمرها القلق على زهرة الصناعة الفرنسية فيما ينبغي عليها الاعتراف بأن الطاقة النووية تنطوي على مجازفات (يصعب حتى اليوم نسيانها)، لكن مع إدارة مسؤولة يمكنها أن تحفظ لنا <منافع> الطاقة النووية التي يقال لنا أنها ستكون غير قابلة للمنافسة·

تكمن المسألة برمتها هنا· هل صحيح اننا لن نتمكن من تجاوز الطاقة النووية؟ هل صحيح أن تطوير الطاقة النووية المدنية يظل مطلوباً لأنها تساهم في الحد من الاحتباس الحراري؟ هل صحيح أنه يمكن القيام بالأمور على وجه حسن؟ أو بكلمات أخرى، هل نستطيع حقاً، في ظل الديمقراطية وبفضل فرض معايير تقنية صارمة، أن نتمتع <بفوائد> الطاقة النووية المدنية من دون أن نعرض أنفسنا في كل حين إلى الكارثة؟

نجيب عن هذه الاسئلة الثلاثة بالنفي· فالقول إن ما من خيار أمامنا، غير أن <الخبراء اتفقوا> على أن حاجاتنا إلى الطاقة تحول دون تخلينا عن الطاقة النووية هو فرية· وما أن نعيد طرح السؤال في شأن الفكرة الثابتة عن أن استهلاك الطاقة يسير نحو الزيادة، حتى يبدو معقولاً لنا استشراف مخرج من الطاقة النووية: وقد طورت مجموعة <نيغاوات> سيناريو حول مسألة الطاقة يرتكز على تقليص الهدر في الطاقة وتعزيز الفعالية بما يسمح بتوقع إغلاق المحطات النووية الفرنسية بحلول عام 2030· الخيار متاح أمامنا إذاً، وما ادعاء عكس ذلك سوى كذب صريح·

ولم يتردد المروجون للطاقة النووية في استغلال حساسية الرأي العام من مخاطر الاحتباس الحراري: الحفاظ على الطاقة النووية بل تطويرها لأنها تتيح مكافحة ازدياد غازات الدفيئة· ويعني ذلك في فرنسا، وهي البلد الأوروبي حيث الاعتماد على الطاقة النووية الأكبر، أن إنتاج الكهرباء بالاعتماد على الطاقة النووية لا يشكل سوى 16 بالمئة من الاستهلاك النهائي للطاقة· وإذا امكن ضمان هذه المساهمة من مصدر متجدد للطاقة، فسينخفض قليلاً بعد، انبعاث غازات الدفيئة، وإذا انتجت في محطات تعمل بالغاز ذي الدائرة المشتركة، فستزيد هذه الغازات ما بين 15 و20 بالمئة فقط·

ووكالة الطاقة الدولية التي تروج لتطوير الصناعة النووية، تعتقد أنه لو قُدر للطاقة النووية أن تتطور، فإن مساهمتها في تقليص انبعاث غاز ثاني اوكسيد الكربون على المستوى العالمي لن يزيد عن الستة بالمئة في 2050، مقابل 54 بالمئة للاقتصاد في استهلاك الطاقة و21 بالمئة للطاقة المتجددة، وبكلفة اقل بكثير·

النقطة الثالثة والأهم، بطبيعة الحال، هي الاستحالة المادية لضمان عدم تعرض السكان للأخطار المتأصلة في الصناعة النووية المدنية·

والحديث عن مفاعلات بضمانات كاملة يكاد يكون هزلياً· في حين أن الأكثرية الساحقة من المفاعلات العاملة ينبغي أن تتوقف فيما لا تزال تتكشف هشاشة المفاعلات الجديدة من طراز أي بي آر التي احيطت بدعاية واسعة·

السابق
بغداد: الإعدام لـ3 عراقيين دينوا باغتيال معارض في بيروت
التالي
التقشف الأوروبي يطيل أمد الأزمة··· ويمتحن بقاء اليورو