البنزين يحرّك السائقين: إضراب عام!

الاتحاد العمالي غارق في البيانات… والمعارضة النقابية مشرذمة
أسعار البنزين التي ارتفعت إلى 36 ألفاً و100 ليرة، مرشّحة الى المزيد من التصاعد، والمواجهة من جانب السائقين العموميين انطلقت: تظاهرة، فإطلاق الأبواق، وصولاً الى الإضراب العام. أما الاتحاد العمالي العام، فاكتفى ببيان التشجيع والاستنكار كالعادة، والبديل النقابي مفقود في حضرة السياسة

لا تزال عناوين المشكلات الاقتصادية والاجتماعية هي نفسها، إلا أن الأزمة المعيشية تتعمّق يوماً بعد يوم. وصل الفقر الى مراحل قياسية، البطالة وطئت عتبة الـ 30 في المئة من القوى العاملة اللبنانية، العائدون من الدول التي تدور فيها أزمات أمنيّة وثورات شعبية بالآلاف، الكهرباء لا تزال في حكم التقنين، المياه كذلك، سعر البنزين أصبح على قاب قوسين من الـ 40 ألف ليرة، أسعار السلع، وخصوصاً الغذائية منها، ارتفعت في بداية الشهر الجاري بين 12 و14 في المئة، هدر للمال العام بدأت تنكشف فصوله في وزارة المال، وزارات معطّلة، والفوضى تحكم مفاصل الحياة في لبنان… السائقون العموميون أعلنوا بدء تحركاتهم ضد ارتفاع أسعار البنزين: تظاهرة يوم الأربعاء المقبل ستشل طرقات لبنان، يليها تحرك الخميس، ثمّ يتبعه إضراب عام في 19 أيار… لكن أين الاتحاد العمالي العام؟ ما هي مشاغله؟ وهل استحكمت السياسة في عنقه لتخطف آخر أنفاسه؟

ثورة السائقين

انتفض السائقون العموميون ضد ارتفاع أسعار البنزين، وأعلنوا تظاهرة بالسيارات تبدأ من الساعة العاشرة والنصف من صباح الأربعاء المقبل، لتجوب شوارع بيروت، بحيث ستنطلق من الكولا، مروراً بكورنيش المزرعة، مار الياس، وزارة الداخلية، وزارة المال، الأشرفية، وصولاً الى وزارة الطاقة في كورنيش النهر، تقابلها تظاهرة أخرى تنطلق من الدورة، وتصعد نحو جونية فالمكلس لتلتقي التظاهرة الأولى عند وزارة الطاقة، وذلك تحت عنوان تجميد أسعار البترول ودعم سعر البنزين للسائقين العموميّين لتصبح بـ 25 ألف ليرة، ووقف اللوحات المزوّرة، وتطبيق الإعفاء الجمركي على استيراد سيارات الأجرة. وفي اليوم التالي، أي الخميس، دعوة الى جميع أصحاب السيارات في جميع المناطق اللبنانية للتوقف الساعة العاشرة «في أرضها» وذلك لمدة ربع ساعة، مع إطلاق أبواق السيارات… ويعقب هذين التحركين إضراب عام في 19 أيار يبدأ عند السادسة صباحاً حتى الثانية من بعد الظهر.
ففي ظل الانهيار الاجتماعي الحاصل وتحرُّك السائقين، خرج الاتحاد العمالي ببيان، فأعلن المجلس التنفيذي للاتحاد أنه «يستعد» للإضراب، إلا أن هذا الاستعداد يبرد لسان رئيس الاتحاد غسان غصن منذ أكثر من سنة، وبدلاً من إطلاق حملة ترفع مطالب العمال وحقوقهم في عيد العمال في مطلع أيار المستقبل، أعلن الاتحاد بقاءه في صالونات الضيافة، بحيث سينظم «حفل استقبال من الخامسة حتى السابعة من مساء الاثنين الواقع فيه 2/5/2011 في مقر الاتحاد»! والارتباطات السياسية لقيادة الاتحاد العمالي دفعته بعيداً عن الشارع اللبناني، فها هو يعلن عن «لقاء تضامني مع عمال سوريا إزاء المؤامرة التي تستهدف منعة بلدهم وصمود شعبه في مواجهة العدو الإسرائيلي المتربّص بهم» (وفق ما جاء في بيان الاتحاد)! فما قصة الاتحاد العمالي العام تحديداً؟
يقول غصن لـ«الأخبار» إنّ الاتحاد يستعدّ للتحرك الشامل، متى؟ يعد غصن بأن الإضراب سيُعلَن بعد عيد العمال مباشرةً، وسيطرح عناوين عديدة، أهمها الأضرار الناتجة عن غياب الحكومة، وكذلك انحياز الحكومة الحالية لكارتيلات الخبز والدواء والبنزين، ويشرح أن وزارة الاقتصاد دعمت المطاحن بـ 50 ألف ليرة إضافية عن كل طنّ من القمح من جيوب المواطنين، لكي لا تحدّد سقف الأرباح والأسعار، لافتاً الى وجود تواطؤ بين «الدولة» والكارتيلات، فيما تغيب السياسات النفطية والدوائية والغذائية عن طاولة البحث الحكومي، لكن هل يتوقّع غصن مشاركة شعبية في الإضراب؟ ألا يعاني الاتحاد فقدان الثقة بتحركاته بسبب انحيازه السياسي؟ يجيب غصن إن الاتحاد ليس مسيّساً، بل الناس هم المسيّسون، وقال «نحن ندعو المواطنين الى التحرك بدلاً من النق، إلا أنهم عبر ارتهانهم الطائفي والمذهبي يفضلون الزعيم على رغيف الخبز»!

المعارضة النقابيّة: إلى أين؟

المعارضة النقابية لا يختلف واقعها عن واقع الاتحاد العمالي العام، إذ أدت عملية إعادة التموضع السياسي للأحزاب أخيراً الى إعادة الفرز في هذه المعارضة، وخصوصاً في ما يتعلق بموقف الحزب التقدمي الاشتراكي، وهكذا أصبح في لبنان «معارضات» نقابية، وكل معارضة تغنّي على «ليلاها». ويشرح رئيس جبهة التحرر العمالي عصمت عبد الصمد، أن المعارضة النقابية لم تعد تحالفاً نقابياً، إذ ليس هناك آلية موحّدة لعملها بسبب ظروف البلد والانعكاسات السياسية عليها، لا بل أصبح هنالك عدم اكتراث بمواقف الاتحاد العمالي مع المطالبة بإنشاء اتحاد عماليّ ثان، لافتاً الى أن الجبهة لا تستطيع إعلان تحرك وحدها، لكونها لا تحرك الكثير من اللبنانيين، وبالتالي لا بد من تفعيل الاتحاد العمالي نظراً إلى تاريخه النضالي الغابر. ويستغرب عبد الصمد بيان الاتحاد العمالي ويقول: «لقمة عيشنا أولوية أكثر من مناصرة النظام السوري، فالسياسة العالمية والعربية والمحلية لها أربابها، أما الاتحاد العمالي، فيجب أن ينظر الى نفسه كقائد للحركة النقابية والمطلبية». ويشكك عبد الصمد في كلام غصن بشأن إعلان الإضراب في أيار، لافتاً الى أن التجربة تقول إنّ من يريد النزول الى الشارع يباشر تحركه ولا يهدد ويعد. ويشير عبد الصمد الى ضرورة الانتهاء من يوم الأربعاء المشؤوم الذي يترافق مع ارتفاع أسعار البنزين، لافتاً الى أن مسرحية خفض الرسوم عن البنزين 5 آلاف ليرة سابقاً كانت ضمن صراع سياسي، فيما لا يزال الاحتكار موجوداً، وسيطرة شركات النفط على القطاع هي الحكم.
وفي هذا السياق، دعا المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني للعمال كل المتضررين من السياسة الحكومية، وخصوصاً النقابات العمالية، وعلى رأسها الاتحاد العمالي العام والسائقون العموميّون، إلى التحرك فوراً وبكافة الأشكال، من قطع الطرق وإقفالها وإيقاف السيارات في الطرقات، وخاصةً على أبواب محطات البنزين وعلى أبواب الشركات الموزعة وأمام وزارة المال ووزارة الطاقة، للتصدي لهذه المؤامرة على الفقراء. وحيّا الاتحاد الوطني «كل الثورات العربية»، مؤكداً وقوفه الى «جانب العمال والفقراء في تحركاتهم من أجل تعزيز وتطوير نضالهم لنيل حقوقهم المشروعة في التغيير والحرية». ودان «القمع الذي تمارسه الأنظمة الفاسدة بحق هذه الشعوب».

السابق
“مع كل نيسان يزهر ربيع الشهادة” لـ الشبكة المدرسية ومدرسة البهاء
التالي
تكرير الصرف الصحي في صيدا: “عبّارة” جانبيّة ومياه “معوكرة”