هيبة الدولة قبل أملاكها

من المؤسف أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في الجنوب من فوضى وتعديات بالجملة على الاملاك العامة والقانون ادت اليوم الى سقوط قتلى وجرحى على ابواب مدينة صور، في ظل غياب مبرمج للدولة وأجهزتها وهيبتها لصالح قوى النفوذ والسلطة.
فقد نجد أعذارا مخففة ، لأولئك المواطنين الذين اهملتهم دولتهم وممثلوهم وتركوهم لقدرهم من دون سياسة إنمائية أو إسكانية تراعي احتياجاتهم، ووجدوا في الفوضى الممنهجة والمسيسة فرصة لهم لا تعوض للحصول على قطعة أرض لبناء مسكن أو لبناء طابق إضافي يمنعهم القانون من بنائه.
لكن ما لا نجد له العذر هو استحواذ أصحاب النفوذ والثروة على أرض الدولة واستغلالها في التجارة أو الصناعة أو السياحة،حتى أن البعض يستغلها لإنشاء الكسارات والمقالع. أما الأمر الأكثر غرابة، فهو الإستنكار المتكرر من قبل القوى السياسية الحاكمة بأمرها، ومطالبتها بضرورة قمع المخالفات ، بالإضافة إلى البكاء والتحسر على الخسارة التي حلت بالواجهة البحرية للجنوب من جهة اخرى.
فقد أشارت جريدة الحياة الصادرة يوم الإثنين 18/04/2011 إلى تشدد رئيس مجلس النواب في ضرورة قمع التعديات ،علما أن المشاعات الأكثر تعرضا للتعدي هي تلك الواقعة في نطاق البلديات الخاضعة لنفوذ حركة أمل. كما اشارت الجريدة في اليوم نفسه والخبر نفسه بأن النائب د.علي فياض يأسف لما يجري ويعتبره أمرا (يدمي القلب)، متناسيا تقاسم مشاعات كل من بلدتي دبين وبلاط الجنوبيتين بالتراضي بين أنصار الحزب والحركة.
أسئلة عديدة يطرحها المنطق هنا، وبغض النظر عن حاجة أهلنا إلى بضعة مئات من الأمتار لبناء مسكن، أو لإضافة طابق جديد:
1- من هي القوى الشعبية أو الحزبية او السياسية التي تستطيع منع دورية لقوى الامن من تنفيذ مهامها؟
2- من هي القوى التي تستطيع قطع الطرق المؤدية إلى هذا الحي أو ذاك حيث تقع المخالفة؟
3- من هي القوى التي تستغل بدورها مئات آلاف الأمتار من المشاعات(الصرفند مثلا) .
4- من هي القوى التي تستطيع الطلب من القوى الأمنية غض النظر في بداية عملية البناء المخالف؟
5- من هو المستفيد من نكران المواطن لمرجعية الدولة ولجوئه إلى مرجعيات أخرى ؟
نحن لسنا ضد أن يتملك المحتاجون والفقراء ويبنوا البيوت. لكن ما نحن ضده هو الإجهاز على حضور الدولة وهيبتها ومصادرة مرجعيتها في حماية الناس ورعاية مصالحهم ،لا سيما في الجنوب الذي قدم أهله التضحيات من أجل بقاء الدولة والحفاظ على مؤسساتها. ما نحن ضده ، هو الإزدواجية في الموقف من القضية المطروحة، فبينما نجد هناك من يسكت عما يجري حينا، ويغطيه حينا آخر، ويستثمره في أغلب الأحيان، نراه يعلن من هذا المركز ومن على ذاك المنبر رفضه للتعدي على ملك الدولة وحرصه على المال العام. ما نحن ضده هو التضحية بهيبة الدولة وكسر شوكتها من اجل الإستقطاب المذهبي والإنتخابي الرخيص، ما نحن ضده أيضا هو رمي الكرة في ملعب الخلافات المذهبية كالقول ان المشكلة بدأت مع أهالي يارين الساكنين في خراج بلدة البيسارية، علما بأن التعديات كانت جارية على قدم وساق وتحت الغطاء المذهبي والسياسي بدءا بمنطقة طريق المطار والليلكي مرورا بالأملاك البحرية على امتداد الشاطئ وصولا إلى ما لا نعلمه اليوم من حدود التسيب وغياب الدولة والقانون.
إن المعالجة الإرتجالية للمشكلة هي مشكلة في حد ذاتها، فالمشكلة هي غياب خطط تلحظ التوسع السكاني الطبيعي وغير المفاجئ. وهنا نسأل من هم في موقع المسؤولية عن رقاب الناس وأموالهم ومستقبلهم: أين هي السياسة الإسكانية في لبنان عموما وفي الجنوب خصوصا، وأنتم تمتلكون السلطة من دون منازع ومن دون حسيب أو رقيب منذ العام 1992؟؟
إن العناوين السياسية الكبرى ، بالإضافة إلى الإصطفافات المذهبية الحادة جعلت من الهم المعيشي والإنمائي أبعد ما يكون عن مطالب المواطن وواجبات المسؤول. وعليه،فإننا نأمل أن تكون مشكلة التعدي على الأملاك العامة ،مناسبة للفت نظر المسؤولين إلى تردي الحال المعيشية لدى المواطن بالإضافة إلى حال الطلاق الحاصل بين المواطن ودولته، هذه المشكلة التي لا يختصرها بيان استنكار ولا يحلها هدم بيت صغير بناه مواطن فقير في ملك دولة يراها دولة ملكه .

السابق
العريضي : لا شيء يستأهل تأخير تشكيل الحكومة
التالي
لحود يرد على خدّام : كان سبب فساد الحالة في لبنان