تشارلز فرغسون :مستنقعات الخطر

لقد سلطت أزمة مفاعل دايتشي النووي في فوكوشيما باليابان الضوء على المخاطر المترتبة على تخزين الوقود النووي المستنفد العالي الإشعاع في بِرَك من المياه عُرضة لمخاطر الكوارث الطبيعية والانفجارات الهيدروجينية التي قد تقع نتيجة لأي حادث. وينبغي لهذه الأزمة أن تعمل كنداء إيقاظ للحكومات وصناعة الطاقة النووية على مستوى العالم للتحرك من أجل تقليص المخاطر الناجمة عن تخزين الوقود المستنفد.

ولكن من المؤسف أن تخزين الوقود المستنفد كان بمثابة «فكرة فات أوانها»، على حد تعبير إرنست مونيز مدير مبادرة الطاقة لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ففي العشرات من البلدان، ظلت عشرات الألوف من الأطنان من المواد العالية الإشعاع محفوظة في مرافق لا توفر إلا القليل من سبل الحماية الصارمة التي تحيط عادة بالمواد المشعة في قلب المفاعل النووي.

لقد أصبحت هذه البِرَك مكتظة بالمواد المشعة في العديد من بلدان العالم، وذلك بسبب الافتقار إلى مستودعات التخزين الدائمة للنفايات النووية. ولم تفتتح أي دولة مثل هذه المستودعات، وإن كانت السويد قد أحرزت تقدماً ملموساً في هذا السياق.

إن المخاطر المترتبة على بِرَك الوقود النووي المستنفد كانت معروفة لسنوات عديدة، ورغم ذلك لم تتخذ أية إجراءات تُذكَر للتخفيف من هذه المخاطر. والواقع أن ألمانيا تُعَد استثناءً ملحوظا. فقبل خمسة وعشرين عاماً تقريبا، بدأت الحكومة الألمانية في إلزام المحطات النووية بتوفير الحماية الوافية للوقود المستنفد. فكان الوقود المستنفد الأقدم عمراً والذي خضع للتبريد لمدة خمس سنوات تقريباً يوضع في براميل تخزين جاف مقساة، أما الوقود المستنفد الأحدث عمراً والأكثر إشعاعاً والأشد حرارة فيتم تبريده في بِرَك من المياه تحيط بها هياكل احتواء قوية.

وتكلف هذه التدابير أموالاً أكثر بطبيعة الحال، ولكنها توفر قدراً أعظم من الحماية ضد الحوادث، والكوارث، والهجمات الإرهابية. ولكن هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟

في دراسة أجريت في عام 2003 تحت قيادة روبرت ألفاريز، وهو مسؤول سابق لدى وزارة الطاقة في الولايات المتحدة، خلصت التقديرات إلى أن أسوأ حالة لهجوم إرهابي قد تتلخص في صرف بِرَك التبريد، وهو ما يسفر عن ارتفاع حرارة قضبان الوقود المستنفد بل وربما اشتعالها. وهذا بدوره من شأنه أن يطلق كميات كبيرة من المواد المشعة إذا حدث أي خرق لهياكل الاحتواء، وهو ما قد يؤدي إلى امتداد المنطقة الملوثة الناتجة عن ذلك إلى مساحة أعظم من تلك التي أسفر عنها حادث مفاعل تشرنوبيل عام 1986.

ورغم هذا الاستنتاج المثير للخوف والجزع، فإن الدراسة لم تحث اللجنة التنظيمية النووية في الولايات المتحدة على توجيه أوامرها إلى المرافق النووية بإزالة الوقود المستنفد من البِرَك المكتظة في أكثر من مائة مفاعل نووي تجاري في أميركا. ولكنها حضت على إعداد تقرير بواسطة الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم، والذي خلص إلى أن «وقوع هجمات إرهابية ناجحة على بِرَك الوقود المستنفد أمر محتمل رغم صعوبته».

ورغم أن التقرير لم يوصِ بوضع الوقود المستنفد الأقدم عمراً في براميل للتخزين الجاف، فإنه نصح باتباع الطريقة الأقل تكلفة والتي تتمثل في إعادة ترتيب الوقود المستنفد في البِرَك على النحو الذي يجعل الوقود المستنفد الأحدث عمراً محاطاً بوقود مستنفد أشد برودة وأقدم عمرا. ومن المرجح أن يعمل هذا على منع اندلاع الحرائق. كما دعا التقرير إلى إنشاء نظام للرش بالمياه لملء الأحواض المستنزفة، ولكنه جعل هذا مشروطاً بتحليل التكاليف في مقابل الفوائد والذي تجريه كل محطة بنفسها.
ولكن تُرى هل تكون عمليات إعادة معالجة الوقود المستنفد هي الحل؟

في حين فضلت دول مثل الصين وفرنسا والهند واليابان وروسيا إعادة المعالجة بهدف إعادة تدوير البلوتونيوم لاستخدامه كوقود جديد، فإن هذا لم يحل مشكلة النفايات، وذلك لأن الوقود المستنفد الناتج عن هذه العملية لا يُعاد تدويره مرة أخرى عادة. بل يتم تخزينه في بِرَك الوقود المستنفد.
إن أنصار إعادة التدوير يريدون في نهاية المطاف بناء أسطول من المفاعلات النيوترونية السريعة القادرة على استهلاك البلوتونيوم وغيره من المواد الانشطارية. ولكن هذه المفاعلات تعرضت لمشاكل خاصة بالسلامة، هذا فضلاً عن ارتفاع تكاليف تشغيلها مقارنة بالمفاعلات الحالية. فضلاً عن ذلك فإن استخدام وقود البلوتونيوم يزيد من خطر انتشار الأسلحة النووية.

بعد عِدة عقود من الآن، قد توفر عملية إعادة المعالجة وسيلة آمنة للتخلص من الوقود المستنفد. وإلى أن يحدث ذلك فإن الطريقة الأكثر تبشيراً تتلخص في استخدام براميل التخزين الجاف، والتي توفر وفقاً للدراسات الفنية ما قد يصل إلى مئة عام من التخزين السالم الآمن.
ولكن الصناعة أعربت عن قلقها لأن كل برميل تخزين يكلف أكثر من مليون دولار، ولأن التكاليف الإجمالية العادية لمحطات توليد الطاقة النووية قد تصبح عشرات الملايين من الدولارات. ووفقاً لتقديرات الدراسة التي أجرها ألفاريز فإن تكلفة التخزين بهذه الطريقة في أسطول المفاعلات الأميركية بالكامل تتراوح بين 3 و5 مليارات دولار، وهي التكاليف الأضخم على مستوى العالم.

وهذه هي التكلفة الرئيسية التي تدفع لمرة واحدة. ولكن بعد ذلك سوف تبلغ التكاليف بضع مئات من ملايين الدولارات سنويا. وعلى سبيل المقارنة، تولد الطاقة النووية في الولايات المتحدة عائدات سنوية تبلغ 30 مليار دولار، في حين قد ترتفع تكاليف أي حادث خطير بسهولة إلى عنان السماء لتتجاوز المليارات من الدولارات، كما يشهد العالم الآن في فوكوشيما.

كما أعربت الصناعة عن تخوفاتها فيما يتصل بتقليص مستوى تعرض العاملين للإشعاع إلى أدنى حد ممكن أثناء نقل الوقود المستنفد إلى براميل التخزين. وهناك فضلاً عن ذلك الخطر المتمثل في زيادة التعرض للإشعاع أثناء نقل الوقود المستنفد من براميل التخزين الجاف إلى مرافق التخزين الدائم.

ولا بد لتقليل هذه المخاطر من تطوير البراميل بشكل يسمح بنقلها بسهولة إلى مرافق تخزين مؤقتة آمنة إلى أن تحصل المستودعات الدائمة على الموافقات اللازمة. ولا ينبغي لنا أن ننتظر وقوع كارثة أخرى على غرار ما حدث في مفاعل دايتشي في فوكوشيما قبل أن نتحرك من أجل التقليل من مخاطر الوقود المستنفد.
(ترجمة العرب القطرية)

السابق
مجدلاني: حياة الجراح في خطر
التالي
إسرائيل إلى زوال