البناء: خاطفو الإستونيين جيل جديد من الأصولية المرتبطة بـ”القاعدة” العالمية

تلقّت الأجهزة الأمنية، ابتداءً من مساء أول من أمس، معلومات مفادها أن أحد أبرز المطلوبين في عملية خطف الإستونيين، وائل ع، شارك في سرقة السيارة على طريق بلدة عميق في البقاع الغربي ونفذ فيها العملية الأمنية في مجدل عنجر وأدت إلى مقتل خنجر وصبري.

وأشار مسؤول أمني رفيع المستوى لـ«البناء» إلى «أن التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية اللبنانية، وخصوصاً فرع المعلومات، منذ اختطاف الإستونيين في البقاع يوم 23 آذار الماضي، أدت إلى كشف أسماء كامل أفراد المجموعة المنفذة للعملية. وهؤلاء يأتمرون بأوامر وائل ع.، وجرى توقيف سبعة منهم، وهم: (م.ج.ى.)، (م.ي.ي.)،و(م.ن.)، و(ر.ع.م.ص.)،و(ن.أ.ه.)، و(ر.ص.ي.)، وآخر مجهول الهوية، أحيلوا على القضاء العسكري، أما الفارين فهم: (و.ع.)، و(إ.خ.)، و(م.أ.ظ)، و(م.ج.)، و(ك.ي.). كذلك أوقف عدد من الذين اشتركوا معهم، أو قدموا لهم تسهيلات، وبعضهم قام بذلك من دون علم بنية المشتبه فيهم الرئيسيين».

وبحسب المطّلعين على التحقيقات، فإن مجموعة وائل ع. نفذت عملية الخطف لحساب مجموعة أصولية. وكشفت إفادات الموقوفين أن المجموعة الأصولية طلبت من أفراد مجموعة التنفيذ خطفَ أشخاص أجانب، وتركت لهم اختيار الزمان المناسب، وطريقة التنفيذ، كونهم أدرى بمعبر المصنع الحدودي.

ضحايا الصدفة
وأظهر التحقيق أن الاختيار وقع على الإستونيين بالصدفة، بصفتهم صيداً سهلاً وعددهم كبير، على أساس أنهم «فرنسيين». وكان المنفذون يعدون أنفسهم بفدية مالية تصل إلى 20 مليون دولار، وإعطاء كل واحد من الخاطفين مبلغا يصل الى أكثر من مليون دولار، لقاء تنفيذ ما طُلِب منهم. وبعد تنفيذ العملية يوم 23 آذار، أخذت المجموعة الإستونيين إلى منزل في مجدل عنجر، حيث سلّمتهم إلى المجموعة الأصولية قبيل الساعة العاشرة مساءً. ومنذ ذلك الحين، لم تعد مجموعة التنفيذ تعرف شيئاً عن الإستونيين. وقال مسؤول أمني رفيع لـ«البناء»: «إن توقيف وائل ع. قد لا يكشف مصير الإستونيين، مؤكداً في الوقت عينه أن التحقيقات لا تزال مستمرة على نحو حثيث من أجل كشف مكان أفراد المجموعة الأصولية والإستونيين».
وأكدت معلومات أمنية، أن التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية لم تتوصل إلى أي دليل يربط درويش خنجر بعملية خطف الإستونيين، على الرغم من أن الشبهات اتجهت إليه في الساعات الأولى التي تلت تنفيذ العملية.
جيل جديد من الاصولية
وتحدّث مسؤولون أمنيون عن كون المجموعة الأصولية تضمّ شباناً في العقد الثالث من عمرهم، وهم من الجيل الجديد الذي ليس له أي سجلات أمنية سابقة. كذلك فإنهم يتمتعون بخبرة أمنية واسعة، فضلاً عن قدرات تقنية متقدمة. وضرب مسؤول أمني مثلاً على ما تتمتع به المجموعة الأصولية من تطور تقني، الأسلوب الذي اعتمدته لبعث رسالة إلكترونية إلى أحد المواقع الإخبارية للمرة الثانية، تبنت فيها عملية الخطف. بعد الرسالة الأولى عن بطاقات تعريف الأستونيين، لتأتي الرسالة الثانية بالصوت والصورة.

ضابط أمني رفيع رفض الكشف عن إسمه علّق لـ«البناء» على الرسالة الصوتية والمصورة للأستونيين فقال: لقد حاولت الأجهزة الأمنية تعقّب الرسالة الأولى، «ليتبيّن أنها خضعت لعملية تمويه معقدة». وعندما ظن المحققون أنهم توصلوا إلى تحديد المكان الذي بُعِثت منه الرسالة، فتبين أنه يقع في بلغاريا». وبعد التعمّق في التحقيق التقني، تبيّن أن المصدر رومانيا». ولفت المسؤول الأمني إلى أن هذا الأمر «يدل على أن من بعث بالرسالة اعتمد أسلوباً للتمويه، مكّنه من «تزوير» عنوان بروتوكول الإنترنت، بما يجعل الرسالة تظهر كأنها بُعِثَت من أوروبا». وهو أسلوب تعرف الأجهزة الأمنية أنه من اختصاص تنظيم «القاعدة» العالمي، وهو يعيق جهات دولية مثل الولايات المتحدة الأميركية في الوصول إلى أهدافها، أما الرسالة الثانية «فلن تكون أكثر تعقيداً من الأولى»، ليربط بين الرسالتين دون وجود رقم عن فدية، ويرى «أن مثل هذه الرسائل هي من اجل المقايضة بأسرى إسلاميين محتجزين في دولٍ ما، بين سجن «غوانتاناموا والصومال والسعودية والأردن وفرنسا»، أمر يبرر هذا الإحتمال، وفي ذلك جاء كلام المخطوفين الإستونيين الذين ناشدوا رؤساء وملوك هذه الدول ومعهم سعد الحريري لإرتباطه الأسري والسياسي مع النظام الملكي السعودي»، حساب مصادر أمنية متعددة لـ«البناء».

وأكد مسؤول أمني آخر لـ«البناء» «غياب أي دليل حسّي أو استعلامي على أن الإستونيين المختطفين نُقلوا من لبنان إلى سورية»، مع العلم بأن هذا الأمر متيسّر من الناحية النظرية، نظراً إلى قدرة المجموعات على تخطّي الحدود المشتركة بين البلدين بسهولة تامة، ودون وقوعهم في مكامن وأجهزة الأمن التابعة للبنان وسورية».
مجدل عنجر والتوترات
تعيش بلدة مجدل عنجر البقاعية، منذ حوالى سبعة أشهر، حالةً من التوترات الأمنية المتلاحقة، أسفرت عن قتلى وجرحى في كمائن نصبتها المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن المتصلة، لمجموعاتٍ غير معروفة، تتخذ من الأصولية المتطرفة ملجأً وموئلاً.

وتحار الأجهزة الأمنية في فك لغز الإستونيين السبعة الذين اخطفتهم مجموعة سلّمتهم إلى مجموعة أخرى مجهولة الإقامة، وإن كانت الأجهزة الأمنية تربط وجودهم بين مجدل عنجر ومحيطها، وبين مجموعة غير معروفة خارج الحدود اللبنانية. وإلى جانب الأعمال الأمنية، فإن عملية أمنية معقدة وقعت في مجدل عنجر أدت إلى استشهاد راشد صبري أحد المتخصّصين في ملف «إسلاميي البقاع الأوسط» وملف «متابعة خطف الإستونيين التي حصلت في المنطقة، كما وأدت إلى مقتل المدعو درويش خنجر المطلوب بتهمٍ عدة لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، في عمليةٍ وصفت بأنها أشبه بـ«التصفية» و«صراع الأجهزة».

مجدل عنجر تعرف الاسمين جيداً، راشد صبري ودرويش خنجر، والاثنان يعرف كلّ منهما الآخر. صبري رجل أمن من الطراز الأبرز في المنطقة، وهو أحد الذين يعتمد عليهم فرع المعلومات في البقاع الأوسط، حيث أن علاقته مباشرة مع رئيسه العقيد وسام الحسن، والعارف جيداً في منطقة معبر المصنع الحدودي البري، وفي المجدل تحديداً. أما درويش خنجر، فهو أحد أبرز المطلوبين في البلدة، وخصوصاً منذ استشهاد الرائد في استخبارات الجيش عبدو جاسر وبرفقته المعاون زياد الميس في تشرين الأول 2010، ثم اغتيال العريف في استخبارات الجيش يوسف يوسف في تشرين الثاني من العام نفسه، وقد وُجِّهَت أصابع الاتهام إلى درويش خنجر ومجموعته. منذ ذلك الحين كلّف فرع المعلومات، راشد صبري، البحث والتحري وجمع المعلومات عن المجموعة، إلى أن انقلبت الأدوار رأساً على عقب، ووقع الأمن في شرك خنجر، استشهد صبري بعد إصابته بأكثر من 25 طلقة (متفجرة) من سلاح حربي كلاشنكوف، وقتل خنجر جرّاء إصابته برصاصة واحدة من الخلف اصابت قلبه واردته صريعاً، في عملية أمنية معقدة، وكمينٍ نفّذ بدقّة وتنظيمٍ عاليي الدقّة، فاق قوّة وهيبة وتكنولوجية أجهزة التنصت والترصد والمراقبة لفرع المعلومات، المرصودة والموزعة في المنطقة، وسط حالةٍ من التأهب الأمني، الذي أثبت فشله، بعد أن فشل الأمن مراراً، في حماية ضباطه وجنوده، والأجانب(…)، في بقعةٍ جغرافية تجاوز فيها الأمن آمنيها، وإذ بالعصابات تتحرك بسهولة، فارضةً نفسها على أرض الواقع، وكأنها بحماية الأمن نفسه.

استشهاد صبري ضربة موجعة لفرع المعلومات. فهو أحد المحركين الرئيسيين لعمل الفرع في المنطقة، وله باع طويل في معظم ما أنجزه جهازه الأمني فيها. وأفادت معلومات من مصادر متقاطعة بأن من كانوا يحركون خنجر ينتمون إلى تنظيمات أصولية، وطلبوا منه أخيراً تخفيف الضغط الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، وخصوصاً فرع المعلومات، على مجموعة من الفارين المطلوبين بشبهة التورط في عملية خطف السياح الإستونيين، وأن هذه التنظيمات مرتبطة على الأغلب بالتنظيم الدولي للقاعدة. وبناءً على الطلب، قرر خنجر متابعة صبري بصفته أحد أهم العاملين مع فرع المعلومات في منطقة مجدل عنجر، وهو ابن القرية، ويعرف أغلب أبناء المنطقة المطلوبين.

السابق
الحياة: شريط فيديو للاستونيين السبعة المخطوفين يثير شبهات حول الجهة الخاطفة
التالي
“ثابت” وأهالي صفوريه..توقيع عهد التمسك بحق العودة