ناصر الخرافي … الصداقة لا تشيخ

في القاهرة، وقبل ان ينكسر قلبه ويندلق عسل محبته للناس، اغمض ناصر الخرافي عينيه على النيل الذي مازال على عهده وعاداته يحمل روحه على كف الماء لِيكتب تاريخا جديدا.
في القاهرة اغمض ناصر الخرافي عينيه على مشهد شباب مصر وقد فتحوا الباب لاعادة الالوان الى مدار الوقت، واشعلوا الحنين الذي يسكن قلوبنا الى ايام زمان، وفتحوا من ميدان التحرير المشهد على ثورة يوليو وتأميم القنال والسد العالي وحرب الاستنزاف وحرب رمضان .
في تلك اللحظة عبر ناصر الخرافي القنال ومشى خطواته الاخيرة الى استراحته الابدية.
– 2 –
اعترف اني استغرقت بضع ساعات لالملم نفسي إثر النبأ الصاعق الذي حمل اليّ وفاته بنوبة قلبية .
لقد انطفأ القلب الكبير ولم يقو على تحمل العاطفة الجياشة ازاء الموت الكثير والظلم الكبير الذي يصيب فلسطين، وازاء الفتنة وقد بلغت مرحلة توشك ان تعبر عن الانكسار في علاقات الجوار العربية – الايرانية وتوشك ان تضع المسلمين على خطوط تماس مذهبية .
اصاب الوجع الحاد ناصر الخرافي وهو ينظر الى المساحة العربية المتصدعة، والى حروب الاستتباع الصغيرة والكبيرة بين مختلف انماط السلطات العربية وشعوبها .
– 3 –
اعترف انها المرة الاولى التي أُصاب فيها بحزن استثنائي، وانا الذي سبق لي ان اصابتني احزان كثيرة على قادة وابناء استشهدوا في الميدان واهل واخوة واصدقاء فارقوا الحياة .
اقول: حزن استثنائي ليس بسبب الموت نفسه، فنحن ان اشرقت علينا الشمس لا نعرف اذا كنا سننتظر مغيبها، ونحن لا نعرف متى نقع على الموت او متى يقع علينا، ونحن نعرف ان الله سبحانه يعطي ويسترد امانته متى شاء .
اقول: حزن استثنائي لأن ناصر الخرافي كان صديقا من الاعماق، وشخصية انسانية مثلت ظاهرة مميزة في عالم رجال الاعمال العرب، كان عقله اغنى من ماله ورصيده القومي والوطني اغلى من رصيده المصرفي وقد كانت انسانيته الغالبة هي الجانب الصامت في شخصيته، حيث ان افعاله وعطاءاته كانت تأتي تلقائية وعفوية وبريئة فتضيء كبرق وتسطع كأفق .
– 4 –
صداقتي وناصر الخرافي اكدت لي يوما بعد يوم حتى لحظة الموت والوداع الاخير، ان الصداقة لا تشيخ بل تتعمّق وتتجذّر وتتعتّق كالعقيق المسحور الذي لا يقدر بثمن .
اعرف ان ما كان يربط دولة الكويت «اميرا ودولة وشعبا» ومازال مع لبنان اكثر من الهبات المالية، واسماء القرى المعلقة كالنجوم من حانين الى العرقوب الى اعالي اقليم التفاح والتي اعيد بناؤها، وكذلك المشاريع الصحية والتربوية وشبكة الطرقات والماء والكهرباء .
واعترف ان ما اصبح يربط لبنان مع الكويت أكثر فأكثر يد ناصر الخرافي البيضاء، التي اعادت اعمار مارون الرأس التي كانت كرة النار الاسرائيلية قد دكتها خلال ما سمي عملية الليطاني في 14 آذار 1978 وخلال حرب تموز الاسرائيلية على لبنان صيف عام 2006 .
– 5 –
لقد اختار ناصر الخرافي عن سابق اصرار وتصميم اعمار مارون الرأس، لأنها تستحق ان تبقى مرفوعة الرأس بعد ان شهدت بطولات المقاومين وهم يتصدون لجحافل العدو وقوات النخبة في الجيش الاسرائيلي وجها لوجه، حاكورة حاكورة بيتا «بيتا» وحارة حارة وليس زنكة زنكة كما تعبث بعض الانظمة بدماء شعوبها .
وايضا «وايضا» اختار ناصر الخرافي عن سابق اصرار وتصميم ان تنفذ مجموعة الخرافي مشروع الليطاني الذي مولت مخططه وستمول تنفيذه دولة الكويت، لأنه اراد ان يفسر حلم كبير مهندسي العرب ابراهيم عبد العال احلام لبنان بالماء، لعلها تخفف من اوجاع كربلائه الجنوبية .
– 6 –
ها انا اودع ناصر الخرافي «العم ناصر» كما كان يحلو له ان يسميه محبوه
هأنذا امسك بيد اخي جاسم الخرافي رئيس مجلس الامة الكويتي، لعلني ارد عنه بعض الحزن فلا تبقى الاحزان عامرة في ديارنا ولا يستمر الحزن يعبّر عن سعادة شقائنا.
وهأنذا اناشد الذين يقفون في دائرة الضوء حيث تزدهر الشمس، ان نعبر سويا «عن وفائنا للراحل الكبير، بأن نلتزم العمل على وأد اي فتنة بين المسلمين، وألا نسمح بتحويل الانتباه عن اسرائيل العدو الرئيسي للامة، وان تبقى بوصلتنا مشدودة الانتباه الى القدس بالذات والى المسجد الاقصى المبارك، حيث ترك ناصر الخرافي عيونه معلقة على حائط البراق بانتظار العائدين غدا»

السابق
الجريدة: غطاء سوري ورسالة من دمشق إلى الراعي ومن عون إلى سليمان… سهلت اللقاء الرباعي
التالي
كرم: فرنجية متفائل بدور الراعي