كيف يرى الحزبيون ثورات العرب؟

تجتاح العالم العربي حال من الغليان مرفقة بانتفاضات مناهضة للأنظمة والحكّام والدساتير. وفي ظل تهاوي الأنظمة العربية تباعا، إلى جانب إصلاحات ينفّذها الرؤساء العرب لتسكين شعوبهم، بدأت ترتسم ملامح جديدة للمنطقة العربية، توليها الأحزاب اللبنانية قراءة خاصة، فمنها من استبشر خيرا باستفاقة الشعوب ولو متأخرة، ومنها من حذّرمن المرحلة المقبلة، تحديدا من بروز الأصوليين في غياب طرح للبدائل الناجعة.

القوّات اللبنانية

ينطلق مسؤول العلاقات الخارجية في القوات اللبنانية، وسام حبشي من تجربة الشباب اللبناني مع التظاهرات، فيقول: "قبل أن تستيقظ شعوب الدول العربية، كنّا أوّل المبادرين في قيادة تظاهرات سلميّة ديموقراطية، حتى قبل انسحاب الجيش السوري، وكذلك في 14 آذار 2005"، مضيفا: "شكّلنا حينها شرارة الانطلاقة، ولم ننتظر أيّ تحرك من الدول العربية يلقننا ما علينا القيام به". كما أثنى حبشي على ما تشهده الدول العربية من ثورات، "هذه التحركات لم تحدث منذ الحرب العالمية الأولى، من هنا أهمّيتها، وهي عفوية طبيعية بعيدة من أي تدخلات خارجية، وردّ صريح على أنظمة قمعيّة تجاوز عمرها العشرين سنة".

ويلفت وسام إلى أنّ "ما تختبره الدول العربية لا يشبه جذريّا الواقع في لبنان، كما أنّ معاناة الشباب اللبناني تختلف عن نظرائهم"، مؤكّدا: "هذا لا يعني أننا لا نقدّر تحرّكهم وتعبيرهم الديموقراطي العفوي، إلى حدّ أنهم يطالبون بالتغيير من دون توافر أيّ بديل".

في هذا السياق، يتوقف وسام عند رفض قوى 14 آذار التدخل بما يشهده الخارج العربي، تحديدا في سوريا: "لا يمكننا التدخل في شؤونهم، ونحن نطالب الخارج بالوقوف على الحياد من القضايا اللبنانية، لذا نفضل عدم التدخل بما يحدث في الدول المجاورة"، ويضيف: "لكن من منطلق إنساني صرف، نؤيّد حقوق الإنسان كاملة، لا سيّما في التعبير عن رأيه والتظاهر".

حركة أمل

من جهته، يصف حسّان أشمر ما تعيشه الدول العربية "بالانطلاقة المميّزة لرفض التشوّهات في الأنظمة"، مندّدا بتدخّل القوى الخارجية: "للأسف، الغرب كالعادة لا يرضى بالأمور على جماليّتها"، كما استبشر خيرا من تحركات المنطقة، لا سيّما إن كان "يسهم في نصرة القضيّة الفلسطينية في شكل أساسي، وفي نصرة الشعب العربي عموما".

وهل يعتبر أنّ التغيرات في المنطقة العربية قد تعيد خلط الأوراق في لبنان، بين 8 و14 آذار، يقول: "لا شكّ في أنّ تلك الثورات ستنعكس على لبنان، فهو ليس منعزلا، إنما مرتبط بمحيطه بحكم الجغرافيا السياسية، وبالتالي ستكون له حصة من التداعيات، سلبية كانت أو إيجابية". وعمّا إذا كان تأخّر تشكيل الحكومة انعكاس لما تشهده المنطقة؟ يجيب: "بصرف النظر عن وجود عقد داخلية، وهي من الأسباب المباشرة لتأخر التشكيل، لا ننكر أنّ للملف الدولي العربي تأثيرات في هذا الخصوص".

في هذا السياق، يأمل أشمر أن ينعكس نجاح الثورة في مصر وزوال نظام حسني مبارك إيجابا على لبنان والقضية الفلسطينية، "على نحو تكون الأنظمة الجديدة في المنطقة بعيدة من الخضوع للإرادة الإسرائيلية، ممّا يساعد في تعزيز حركات المقاومة في لبنان".

مع بلوغ التحرّكات في سوريا أوجها، يستثني أشمر ما تشهده هذه الدولة عن المنطقة العربية، فيوضح: "انتهجت التحركات في سوريا منذ اللحظة الأولى طابعا عنفيا، يختلف عن تونس والبحرين ومصر واليمن، بحيث لم نرَ أيّ عصابات مسلّحة تعتدي على الشرطة أو المواطنين. ممّا يؤكّد أنّ المسألة في سوريا ليست ثورة شعبية، بل حركة أصوليّة مشبوهة"، ويضيف: "لم نشهد سوى بضع مئات يتظاهرون ضد النظام، في حين سارالمؤيّدون للنظام بالملايين".

في هذا السياق، يلفت أشمر إلى أنّ اهتزاز العالم العربي عموما، سيؤثر على لبنان، ويوضح: "تحديدا أيّ اهتزاز أمني في سوريا سيكون له التأثير الأكبر على لبنان، بحكم الجغرافيا السياسية التي تجمعنا، فأمن لبنان من أمن سوريا سياسيّا، واقتصاديّا… لذا أيّ تغيّر في نظامها لن يكون لبنان في منأى عنه".

تيّار المستقبل

في المقابل، يرفض مسؤول العلاقات الخارجية في تيار المستقبل ربيع فخر الدين، اعتبار ما يحدث في العالم العربي انقلابا أو تحرّكا، ويقول: "ما نشهده بكل شفافية ثورات انتفاضيّة، طابعها الأساسي محاربة الفساد، وهي تعكس توق الشعوب العربية إلى الديموقراطية، وتعزّز الانفتاح والاعتدال والتحرّر".

يحرص فخر الدين على اعتبار "أنّ لبنان كان الشرارة الأولى في تشجيع الشعوب وإعلان تحركها، فنحن من حمل العدوى لهذا الربيع العربي، وذلك ستبرهنه المرحلة المقبلة على رغم أنه يصعب على البعض المقارنة بين ما يحدث في الدول العربية وما جرى في العام 2005". ويضيف: "حان الوقت لتملك الدول العربية كلمة الفصل، وبالتالي يتمكن الشباب من التعبير عن آرائهم".

في هذا الإطار، يعتبر فخر الدين أنّ انعكاسات ثورات العالم العربي على لبنان قد تختلف من دولة إلى أخرى، وفق طبيعة العلاقات، ويقول: "في مرحلة أولى قد لا تمدّنا هذه الثورات بالاستقرار الكافي، لأنها قد تخلق تجاذبات بين أطراف لبنانيين معيّنين، نظرا إلى ما يمثل لبنان من مزيج للأطياف والألوان السياسيّة". ويتابع: "لكن على المدى البعيد لا شكّ في أنّ تأثيرها سيكون إيجابيّا جدّا، لا سيّما إذا خيّمت على المنطقة الروح الديموقراطية، وشهدت الخطابات السياسية لغة واحدة هي الحرّية". ومن أبرز التأثيرات الواضحة التي طاولت لبنان أخيرا، مسألة تأخّر تشكيل الحكومة، فيقول: "بعدما أكّدت قوى 14 آذار عدم مشاركتها في الحكومة، حتى الآن يعجز الرئيس نجيب ميقاتي عن تشكيلها، فمن الواضح أنّ للتغيرات العربية أثرا في هذا التباطؤ".

التقدّمي الاشتراكي

من جهته، يعتبر الدكتور بهاء بو كرّوم عضو قيادي في مجلس الحزب التقدمي الاشتراكي، "أنّ الديموقراطية والتحرر تشكّلان مطلبا قديما جسّده المعلم كمال جنبلاط في طروحاته، فهو كان يعتبر أنّ العالم العربي سيستفيق يوما للمطالبة بالحرّية، لا سيّما أنّ الأنظمة العربيّة همّشت فئات كبيرة من الناس ومنعتهم من المشاركة في الحياة السياسيّة العامة". ويضيف: "هذه الأنظمة لم تكترث لمسألة وجود الرأي العام، لذا كان لا بدّ من الانتفاضة في ظل تراكم المعرفة والثقافة وتطوّر وسائل الاتصال".

إثر موجة التغيير المستمرّة، يتمنى بوكرّوم "أن تسهم الثورات في تقدم الحياة السياسية، وتعطي نموذجا حضاريّا، تحرريّا، يعيد برمجة أولويّات العالم العربي، وألّا تكرّس نماذج أصولية جديدة تدفعنا للترحّم على الديكتاتورية".

ويعتبر بو كرّوم مشاكل لبنان خاصة، في معزل عمّا يدور في العالم العربي، تعود إلى كونه لا يشكو من نقص في الحرّيات نتيجة التعدّدية والتنوّع فيه. لذا يرى "أنّ تأثيرات المنطقة العربيّة ستكون على لبنان أقلّ من تأثيراتها على البلدان الأخرى، مثل إيران وتركيا، وحتى الدول البعيدة عن العالم العربي".

ويولي بو كرّوم أهمّية بالغة لمسألة التريّث والانتظار التي يشهدها لبنان، على اعتبار أنها "تتيح انقشاع الرؤية وتحدّ من التسرّع، ومن جعل لبنان متنفّسا لأيّ تسوية إقليميّة أو صراع عربي". وفي السياق نفسه، يحذّر: "من الصراعات المذهبية المتفشّية مقابل الحركات التحرّرية، ومن بروز صراع عربي إيراني في هذا المجال". من هنا يخشى بوكروم من وجود عوامل كثيرة يمكن أن تعيد تفجير الوضع في لبنان، داعيا إلى "تحصين الساحة الداخلية، والتخفيف من الانقسامات الحادّة، عبر إطلاق لغة الحوار وتعزيز المساحات المشتركة".

في هذا الإطار، يلفت بو كرّوم إلى أنّ "استقرار سوريا ليس حاجة لبنانية فقط إنما إقليمية، لا سيّما في الصراع العربي الإسرائيلي". ويضيف: "لا شكّ في أننا نخشى تدهور الأوضاع في سوريا، ولكن للشعب تطلّعات يعبّر عنها، ولا يمكن له أن يبقى في معزل عن حركة التغيير في المنطقة. لكن هذا لا يمكن أن يتمّ إلّا ضمن ضوابط محدّدة وبلغة الحوار".

من الواضح أنّ قراءة الأحداث للتغيّرات في العالم العربي تتعدد بين الأحزاب وتتنوّع، ممّا يعزّز الروح الديموقراطية وتعدد الآراء. إلّا أنّ هذه الأحزاب مطالبة أكثر من أيّ وقت مضى، ليس فقط في إجادة قراءة التغيّرات، بل في تأدية دور "المايسترو"، على نحو يبقي لبنان في منأى عن التجاذبات، وأيّ صفقة يمكن أن تجعل منه منصّة للطامعين.

السابق
الانوار: الصرح البطريركي: اللقاء كان وطنياً بامتياز وستتبعه اجتماعات
التالي
ملتقى يجمع المستقلين في 14 اذار يطلق اليوم: لافكار جديدة ومبادرات