قصة رسالتين: فلسطينية وإسرائيلية

عندما حذّر الرئيس الأمريكي /باراك أوباما/ الفلسطينيين من مغبة نقل ملف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة إلى مجلس الأمن، وإصراره على وقف هكذا أنواع من النشاطات الفلسطينية الديمقراطية، اعاد ذلك إلى ذاكرتنا الرسالة التي وجهتها /حنان عشراوي/ إلى الرئيس الأمريكي الأسبق /بيل كلينتون/ خلال أيامه الأخيرة في الرئاسة:"أيها الرئيس.. إن معظم المسؤولين الأمريكيين، عندما يصبحون خارج دائرة القرار، يبدؤون بالمعاناة من وخز الضمير وميل لا يمكن تفسيره، إلى التعبير عن الندم على شكل اعترافات علنية تتعلق بالظلم الذي عانى منه الشعب الفلسطيني. ومع وجود رغبة صادقة لتجنيبك مصير كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين، الذين يطلقون حملات لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني بعد خروجهم من السلطة، أود أن أشير إلى أنه لا يزال هناك ما يكفي من العالم والوقت لتتحدث وتتصرف الآن".

وفي هذا السياق، نقرأ رسالة أخرى، إنما إسرائيلية هذه المرة، فقد قامت مجموعة مؤلفة من ستين مهنياً إسرائيلياً، من بينهم خبراء في التعليم والعمل الاجتماعي وعلم النفس والطب والقانون، بتسليم رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي /بنيامين نتنياهو/ يفصلّون فيها الانتهاكات الصارخة والمعاملة القاسية ضد الأطفال الفلسطينيين، واعتقال الآلاف من الفلسطينيين القاصرين، لمجرد الاشتباه في رمي الحجارة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتوضح الرسالة أيضاً كيف يتم سحب الشباب من أسرهم ليلاً واعتقالهم، وكيف عانى الأطفال الذين هم بعمر الثانية عشرة من التهديدات والضرب والضرر الجسدي الكبير، إضافة لآخرين تحمّلوا استجوابات قاسية وحادة (في إحدى المرات، قامت الشرطة الإسرائيلية باستجواب طفل يبلغ الثامنة من العمر فقط لمدة أربع ساعات، وفي عزلة تامة).

وأظهرت المجموعة أيضاً وثائق تبين كيف تعرض أطفال فلسطينيون للضرب على الساقين وحول الوجه من قبل شرطة الحواجز الإسرئيلية أثناء عودتهم من المدارس. وفي أحد الأمثلة، تعرض طفل فلسطيني في السابعة من عمره لاعتداء، ولكن تمكن بمساعدة أحد المارة من الإفلات بعد أن غطت الكدمات جسده، وقد شهد على هذه الحادثة أولئك الذين تدخلوا لتخليصه، إضافة لموظفي العيادة، حيث عولج الصبي.
وأوضحت الرسالة أيضاً المخاوف الرئيسية حول ما يمكن أن تخلفه هذه الأعمال القسرية والعنيفة من آثار سلبية على الحالة النفسية والصحية للشباب الفلسطينيين، وطالبوا في الرسالة بأن تحترم قوات الاحتلال "سيادة القانون" ومعاملة الفلسطينيين بكرامة واحترام.
وفي الوقت الذي تجتمع فيه منظمة التحرير الفلسطينية للتصويت ضد توسع أنشطة الاستيطان الإسرائيلية غير الشرعية، والتي بدورها قد تؤدي إلى صراع رئيسي آخر، تعرض إدارة أوباما على إسرائيل عدداً من الحوافز لتمديد تجميد الاستيطان، وبشكل يصعب تصديقه، فقد كانت إحدى الحوافز تعهداً بدفع مليارات الدولارات لتقدم لشركة /لوكهيد مارتن/ نموذج صناعة مقاتلات من طراز برق /إف 35/.
ومع الإعلان عن أن الولايات المتحدة لن تسعى لتجميد الاستيطان، بالإضافة إلى الإحباط الذي أعربت عنه وزيرة الخارجية /هيلاري كلينتون/ نتيجة المأزق الحرج الذي تمر به عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبأنها "فعلياً لا تتحرك بالسرعة الكافية"، قد يكون من الحكمة أن يعود أوباما إلى كلمات /العشراوي/ في رسالتها إلى الرئيس /كلينتون/. ومع انتهاء الانتخابات الرئاسية، واطمئنان كلينتون على مقعدها في مجلس الشيوخ، وانتعاش الاقتصاد الأمريكي المنهار، والزيارات التاريخية (مثل فيتنام) التي تمت بفخر. أيها الرئيس أوباما هناك خياران واضحان: يمكنك الجلوس والتفكير في إرثك كتمرين رياضي من الإيجابيات والسلبيات، أو يمكنك أن تتصدى للتحدي التاريخي في منطقة الشرق الأوسط.
خلافاً للرئيس كلينتون، مازال لدى أوباما عامان في منصبه وربما ستة، ولكن للتوصل إلى السلام الشامل والعادل والدائم، فإنه سيضطر إلى "إلقاء موجزات ونقاط الحوار التي أعدها مرؤوسوه في وزارة الخارجية الذين صنعوا من عملية السلام مهنة لهم". وسيكون على أوباما أن "يتجاهل المفاهيم المسبقة والخاطئة التي يتم إنشاؤها بواسطة آلة الحرب الإسرائيلية، أي أن يلقي نظرة عميقة على عملية السلام ليميّز كيف سارت الأمور بشكل خاطىء، وذلك كخطوة نحو التصحيح، وأن يحاول الاستماع إلى الشعب الفلسطيني مباشرة". وعليه أن يعترف «بأن هناك شيئاً يدعى الرأي العام الفلسطيني، الذي دُعم بالدم واللحم الحقيقي للفلسطينيين الذين كانوا ضحايا حرب طويلة، والآن يجدون أنفسهم ضحايا لعملية السلام وخطر السياسات قصيرة النظر».

من جانب آخر، يتوجب على الأمريكيين أيضاً أن يفهموا بأن الفلسطينيين هم "الناس الذين خضعوا في عام /1948/ لظلم مزدوج من التشتت والطرد والنفي من جهة، والاحتلال والقمع من جهة أخرى". وفي الحقيقة "هؤلاء هم الناس الذين تمت مصادرة أراضيهم، وقتلت إسرائيل أطفالهم، ودمّرت بيوتهم، وحوصرت مدنهم وقراهم، ودمّر اقتصادهم ، وتم تقليص حرياتهم واغتصاب حقهم حتى في سياق المفاوضات، وهؤلاء هم الفلسطينيون نفسهم الذين منعت عنهم إسرائيل، وتواطأ معها المجتمع الدولي، الوقود والدواء والمواد الغذائية الأساسية، بينما تحاصر بلداتهم وقراهم ومخيماتهم بالدبابات الإسرائيلية وحواجز تفتيش جيش الاحتلال، ويجري خرق أجوائهم من قبل طائرات الكوبرا والأباتشي أمريكية الصنع، التي تقصف منازلهم بلا تردد".

هؤلاء هم الناس، سيد أوباما، الذين تقوم أنت بالوقوف بوجه الديمقراطية لمنعهم من الاستفادة منها، وهو الشعب الذي أمرت مندوبتك /سوزان رايس/ بمجلس الأمن كي تصوت بالفيتو ضد قرار يجمد الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي في أراضيهم المحتلة، بينما يتم انتهاك حياتهم وحقوقهم وأراضيهم وحتى إنسانيتهم بشكل ممنهج.

هل تعتقد أيها الرئيس للحظة واحدة بأن عملية السلام التي تسعى بدأب وراءها، يمكن أن تحقق سلاماً عادلاً ودائماً إذا استمريت بالتضحية بالضعفاء واحتواء الأقوياء؟! هل تعتقد أن العنف العسكري الممنهج للمحتل يتناسب مع إرادة الشعوب المقهورة في مقاومة قهرهم واستعبادهم؟! وهل فكرت بعملية التجريد من الإنسانية المستمرة للشعب الفلسطيني والتجاهل التام للحد الأدنى من حقوقهم؟ أي سلام يمكنك أن تحقق ضمن رؤية كهذه، (بغض النظر عن حجم الضغوط التي وضعتها على قادتهم)؟!.

لقد حان الوقت لتدرك بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو حق، بالإضافة إلى أنه شرط أساسي للسلام، وإعطاء الفلسطينيين حقهم في الحرية والكرامة والأمن، حتى في السعي للتفاوض في عملية السلام، لتفكر بشكل أكبر ولتعمل بصورة استراتيجية، وأن تتخلى عن سيطرة الضرر وإدارة الأزمات وسياسات رد الفعل التي تستجيب فقط لأحداث انتهاك إسرائيل فقط، وتنسى المصائب السابقة التي سببها الاحتلال.

لا للتأخير، سيادة الرئيس، استخدم نفوذك للتدخل حتى تتمكن من تغيير مجرى التاريخ.. إذا لم تقم بذلك، ستكون مثل بقية المسؤولين الأمريكيين الذين يعانون من وخز الضمير والميل الذي لا يمكن تفسيره إلى التعبير عن الندم على شكل اعترافات علنية تتعلق بالظلم الذي عانى منه الشعب الفلسطيني، ولكن فقط بعد أن يصبحوا خارج أسوار البيت الأبيض!!!.

ترجمة ياسر البشير – البعث

السابق
أبيدجان: طيّارة والناس راجعة
التالي
وهم الامبريالية الإنسانية