مع تراجع الاهتمام بالملف الحكومي في ظل استمرار التعقيدات والشروط التي تكبل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي, تقدم ملف المصالحة المسيحية إلى الواجهة, أمس, من خلال اللقاء الرباعي التاريخي الذي استضافه البطريرك بشارة الراعي في بكركي, وجمع كلاً من رئيس "حزب الكتائب" أمين الجميل, ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون, ورئيس الهيئة التنفيذية ل¯"القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية.
وهذا الحدث طغى على ما عداه من أحداث داخلية, علّه يحمل في طياته بوادر حقيقية لتبريد الأجواء على الساحة المسيحية, خاصة أنه تميز بمصافحة بين فرنجية وجعجع, اعتُبرت بحد ذاتها حدثاً يستحق الاهتمام.
وشد لقاء بكركي الأنظار, على أمل أن ينجح في كسر الجليد القائم بين القادة الأربعة المجتمعين بعد طول غياب, ويؤسس لعقد لقاءات مستقبلية تنهض بالوضع المسيحي وتنشله مما يتخبط فيه من صراعات ومماحكات داخلية.
وأفاد بيان صادر عن البطريركية ان "الاجتماع كان أخوياً ووطنياً بامتياز ساده جو من الصراحة والمسؤولية والمودة".
وأوضح البيان الذي تلاه المسؤول الاعلامي في البطريركية وليد غياض امام الصحافيين انه "تمت مقاربة المواضيع المطروحة انطلاقاً من التمييز بين ما هو متفق عليه وما هو خاضع للتباينات السياسية المشروعة في وطن ديمقراطي يحترم الحريات والفروقات, مع المحافظة على وحدة الوطن واحترام ثوابته وصون مصالحه الاساسية".
وعرض المجتمعون في حضور الراعي وأربعة اساقفة "الثوابت المسيحية التي ينطلق منها عملهم السياسي والثوابت الوطنية التي يتوحد حولها جميع اللبنانيين", و"تم الاتفاق على ان تعقب هذا اللقاء "لقاءات اخرى متممة كلما دعت الحاجة".
ولم يوضح البيان ماهية المواضيع التي طرحت, الا أن "الثوابت المسيحية" تتمثل في رفض توطين الفلسطينيين ووقف الهجرة المسيحية وزيادة نسبة التوظيف المسيحي في القطاع العام.
وتطرق القادة خلال الاجتماع الى موضوع القمة الروحية المقررة في 12 مايو المقبل في بكركي, وأطلع البطريرك القادة الموارنة على هذا اللقاء طالباً منهم إعداد ورقة مسيحية مشتركة لرفعها ووضع أفكار خاصة لصياغتها, فقال له النائب فرنجية: "أنا والعماد عون سنرسل مذكرة بهذا الموضوع قريباً", وتحدث البطريرك, فأشار إلى أن السياسة هي فن الممكن.
ولفت الرئيس الجميل إلى أن الجميع دفع الثمن غالياً في الحرب اللبنانية التي مرت على هذا الوطن.
من جهته, علق العماد عون على جلوس جعجع مقابل فرنجية, بالقول: "كل اثنين يختلفان مع بعضهما البعض يجلسان مقابل بعضهما البعض".
واجتمع القادة الموارنة حول طاولة مستطيلة في الصالون الكبير في بكركي على رأسها البطريرك الراعي وعلى يمينه الرئيس الجميل والى جانبه جعجع فالمطران رولان ابو جودة والمطران بشارة, وعلى يساره العماد عون وفرنجية والمطران يوسف بشارة بولس مطر والمطران سمير مظلوم.
وأعربت مصادر روحية مقربة من بكركي ل¯"السياسة" عن ارتياحها لأجواء اللقاء وما تخلله من حديث ودي بين المجتمعين في اللقاء الذي جمعهم مع البطريرك الراعي وخلال مأدبة الغداء التي شارك فيها الكاردينال نصر الله صفير, مشيرة إلى أن هذا اللقاء يؤشر لبداية مشجعة لجمع شمل الموارنة والمسيحيين عموماً, والتخفيف من حدة الاحتقان السائدة على الساحة المسيحية, خاصة وأن البطريرك الراعي عازم على القيام بكل ما يلزم لتقريب المسافات بين المسيحيين خاصة واللبنانيين عامة.
وأشارت المصادر إلى أنه لم يتم البحث في القضايا السياسية الخلافية, وأن التركيز انصب على أهمية تحقيق التهدئة على الساحة المسيحية والعمل لإزالة كل أسباب التوتر.
وأشارت المعلومات المتوافرة عن اللقاء, إلى أنه عند التقاط الصور التذكارية تبادل النائب فرنجية وجعجع الأحاديث مع بعضهما البعض, حيث كان البطريرك الراعي يتحدث مع كل من الرئيس الجميل والعماد عون.
وأوضحت أوساط مطلعة ان البطريرك الراعي شدد على أهمية التمايز في المواقف السياسية كحق ديمقراطي غير ان الأهم وفق ما أشار ان يكون الخطاب السياسي هادئاً ومرناً وبعيداً عن الاستفزاز.
وأضافت: ان القادة الأربعة تعاقبوا على الكلام تباعاً فوضعوا هواجسهم على الطاولة وعرضوا رؤيتهم للبنان من دون اي تداخل أو مقاطعة, فكانت وجهات نظر مختلفة في أجواء مصارحة عميقة انتهت الى اتفاق على وجوب تحصين مناخ الود والسلام في الخارج كما في داخل الاجتماع.
وفي أول الانعكاسات الايجابية للقاء, ذكرت "وكالة الأنباء المركزية" أن جعجع وفور عودته الى معراب من بكركي أعطى توجيهاته الى الدائرة الاعلامية وجميع المعنيين بوجوب التعاطي مع "التيار الوطني الحر" و"تيار المردة" بالمستوى نفسه الذي تتعاطاه مع حزبي "الكتائب" و"الأحرار" و"الكتلة الوطنية".
