الاتفاق على الثوابت المسيحية هل يلحق ضرراً بحلفاء من 8 و14 آذار؟

لم تعرف مجزرة إهدن «نعمة النسيان» يوما، ولم تنجح السنون في إطفاء جذوة هذا الاغتيال الذي تعرّض له بيت سياسي عريق كاد يغلق تماما لولا نجاة «سليمان الصغير» من براثن من قتلوا عائلته بأكملها.
33 عاما والحقد يغذي الحقد في جريمة شكلت محطة درامية في حياة المسيحيين اللبنانيين، وأدخلت مفهوم «الثأر للدم» الى الحياة السياسية وأعلت لغة السلاح في تاريخ الموارنة. فهل تستطيع مبادرة بطريرك طموح كالبطريرك بشارة الراعي أن تطفئ شعلة الحقد المتقدة منذ أعوام لتحيلها شعلة محبّة ومشاركة مسيحية على ابواب عيد الفصح المجيد؟

لا أحد يعلم كم عاد القادة المسيحيون الأربعة أمس الى الأصول المسيحية ونقوا قلوبهم في سبيل القيامة والانعتاق من أدران الماضي واختيار نعمة الصفح عن الآخر وخصوصا بعد أن خرج حبيس دير سيدة طاميش الأب يوحنا خوند خصيصا من محبسته بعد 22 عاما ليقدم للشخصيات الأربع رياضة روحية على ابواب عيد القيامة، وهذا التساؤل لن يجيب عليه أحد لأنه يدخل في الحياة الروحية الشخصية لكل من ميشال عون وسمير جعجع وسليمان فرنجية وأمين الجميل. لكنّ السؤال المطروح: كم سيتمكن هؤلاء من تجسيد المصافحة الشكلية أمس الى مصافحة تخفف من حدّة الانقسام حول الأساسيات؟ وهل من متضررين من صورة الأمس الجامعة؟ ولعل السؤال الآخر الجامع للسياسة والوجدان معا هو ذاك الذي طرحه مؤلف كتاب «مجزرة إهدن» ريشار لابيفيار: «هل يمكن لمسيحيي لبنان أن ينبذوا دينامية «التدمير الذاتي على مراحل» فينعتقون من لعنتهم ويقلبون صفحة صراعاتهم القديمة؟».

تتعدّد قراءات المسيحيين لحدث بكركي الذي صنعه البطريرك الراعي المتقن فنّ صناعة الأحداث، إلا أن عدم الإفراط في التفاؤل يبقى السمة الغالبة لدى الروحيين والعلمانيين الذين يعوّلون على «سلسلة اللقاءات المستقبلية» التي يخطط البطريرك الماروني الجديد لها وهو الذي أراد هذه الصورة المارونية الموحدة قبل انعقاد القمة المسيحية الإسلامية الجامعة والقمّة الروحية المسيحية المسيحية المدرجة أيضا على أجندة البطريركية المارونية.

لقاء الأمس يأمل من هندس له أن يكون إشارة الى الإنخراط الإستراتيجي في الحياة السياسية من خلال رؤية مسيحية موحدة، وإذا كان اللقاء قد هندسه البطريرك الراعي شخصيا في خلوات التهنئة التي عقدها مع الشخصيات الأربع، فإن من نقلوا الدعوات الرسمية ومن التقوا هؤلاء من شخصيات روحية في الآونة الأخيرة تلمسوا استعدادا عميقا للمشاركة في هذا اللقاء لسبب قد لا يجهر به السياسيون المنقسمون بين استقطابين سني وشيعي ويتمثل بشعورهم «بالحاجة الماسّة إلى هذا اللقاء نظرا الى إحساس مؤلم نشأ لديهم بأن ثمة تهميشا لهم من قبل الآخرين، ما يجعل الحاجة ملحة ليلعب المسيحي دوره الريادي بعد ان استقال أو أقيل منه» كما يقول رئيس الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة – لبنان الأب طوني خضره العامل على القضايا المسيحية اللبنانية المعاصرة من الإدارة الى السياسة الى اروقة الكنيسة، ويضيف خضره: «لم يبق لأي فريق ما يقدمه وأصبحنا في حاجة الى مشروع إستراتيجي لا إلى مشاريع ترى الأمور من منظار حزبي ضيق». يلفت خضره الى أهمية توقيت اللقاء في ظل ما يحصل في المنطقة «فنحن نعيش في وضع خاص وطارئ ودقيق في وقت تعالج فيه قضايانا بشكل طبيعي وكأننا نعيش في عالم مختلف».

يكسب الشكل نقاطا على المضمون السياسي في نظر شخصيات مارونية ولا يعدو اللقاء «إلا محاولة لكسر الجليد، إذا ما نجحت تنطلق الى مصالحة أعمق بين الأطياف المسيحيين». وللمصالحة شروطها الموضوعية، وآليتها الواضحة وليست شعارا بحسب نائب رئيس الجامعة الأنطونية الأب فادي فاضل «تتطلب المصالحة لجنة تقصي حقائق وتتطرق الى التعويضات وربما الى اعتذار فالمصالحة الشكلية ليست قادرة على تهدئة الشارع والنفوس، وخصوصا في زغرتا حيث لم يتمكن الناس بعد من استيعاب الماضي والتوصل الى صفاء ذهني في شأنه وكثر لا يزالون أسرى الماضي الأسود». ويلفت فاضل الانتباه الى أن «المصالحة الحقيقية تتطلب تحديدا لمسارها وآليات معينة فلا يمكن الاكتفاء بعبارة «عفا الله عمّا مضى» وإلا نغرق تحت مجهر حرب ثانية».

وليس اختيار القادة الأربعة إلا دليلا إضافيا «على عدم الدخول بعد في مسار واضح للثوابت والقواعد المسيحية التي لا ينبغي أن يتخطاها أحد، لأن ذلك يتطلب حضور بقية اللاعبين»، بحسب فاضل.
متضررون؟

المصارحة المسيحية لم ترق الى مستوى المصالحة بعد لكن هل من متضرر منها؟ يقول ماروني علماني رفض ذكر اسمه: «ثمة سؤال رئيسي موجه الى القوى المسيحية التي انضوت في قوى 14 آذار عن المكاسب التي جنوها للمسيحيين في المواقع المسيحية سواء داخل الإدارة في الدولة أو في قوى الأمن الداخلي أو في القوات المسلحة اللبنانية، بماذا قايض هؤلاء غطاءهم السياسي؟ حتى في وزارة المال حيث المدير العام مسيحي لم يتمكنوا من السماح له بممارسة صلاحياته، كما عجزوا عن انتزاع تعيين رؤساء دوائر أو رؤساء مصالح مسيحيين في حين يجمّد (رئيس حكومة تصريف الأعمال) سعد الحريري تعيين كتاب العدل لأن الناجحين السنّة هم اقلية». يضيف العلماني الماروني: «في المقابل، فإن المسيحيين من حلفاء 8 آذار نجحوا في وضع قانون انتخابي معقول ومارسوا ضغوطا لنيل مكاسب سياسية مقابل تحالفهم بقيت دون المستوى المطلوب إذ لا يزال قرار «حزب الله» هو المتحكّم بالموقف الإستراتيجي للتحالف، لكن هذا الفريق قدّم للرأي العام المسيحي بعض المكاسب ولو كانت ضئيلة».

ضمن هذا النمط من التفكير، تنطلق الحسابات المسيحية الجديدة التي يبدو بأنها ستوقع بعض الضرر بثلاث جهات يفصلها نقيب المحامين السابق وعضو المجلس التنفيذي في الرابطة المارونية المحامي أنطوان قليموس كالآتي: «المتضرر الأول هو من كان يستخدم القيادات المسيحية حتى لحظة الأمس كغطاء له، لأنه إذا توافقت هذه القيادات على فكرة إستراتيجية لن يعود بإمكان المستفيدين خرق هذه المصلحة الإستراتيجية لصالح مصلحة فئوية أو سياسية».

المتضرر الثاني «يتمثل بالمستفيد من الانقسام المسيحي حول الثوابت، فإذا اتفق المسيحيون مثلا على ثوابت في التعيينات الإدارية فإن المتحالفين مع كل فئة من الفئتين والتي كانت تمرر مراكز قوى لها ستكون متضررة حتما لأن حليفها المسيحي سيطالب باسترداد مواقع تحتلها اليوم في مفاصل الدولة كافّة» حسب قليموس.

أما المتضرر الثالث، يضيف قليموس، فهم السياسيون الوصوليون كالذين يأخذون أدوارا في ظل هذا الخلاف». ويحدد متضررا رابعا يتمثل «بالأصوليات التي تنمو في المنطقة والتي تعمل جاهدة على إضعاف الحضور المسيحي في الشرق وقد تمكنت الى حدّ بعيد من تنفيذ مخططاتها في مصر والعراق علما بأن الصهيونية العالمية هي المستفيد الأول من إضعاف الحضور المسيحي الحضاري».

الثابتة الوحيدة في لقاء أمس التاريخي تكمن في أن البطريرك الماروني الجديد لن يتوقف عند متضرر من هنا أو هناك لأنه ملتزم بتنفيذ «ثوابت فاتيكانية» لعبت دورا في الإتيان به بطريركا، وفي طليعتها مأسسة البطريركية المارونية وفتح قنوات الحوار مع الجميع بدءا من الحوار المسيحي المسيحي، لذلك يعتمد البطريرك الجديد نمطا سريعا وديناميكيا قد يجد كثر من المسيحيين صعوبة في اللحاق به، فالبطريرك «عدّاء سياسي» يأخذ البعض عليه سرعته لكن كثرا يجمعون ايضا على أن السرعة التي يعتمدها لم تصل بعد الى حدّ التسرّع.

لقـطات
– حاول بعض القادة المسيحيين الأربعة قبل أيام على عقد لقاء بكركي الاستفسار عمّن سيقدم لهم الرياضة الروحية، إلا أن البطريركية المارونية لم تشف غليلهم بإجابات شافية، وأمس بدت الدهشة واضحة على وجوه هؤلاء بحسب شهود عندما رأوا الاب الحبيس يوحنا خوند قادما من محبسته، بعد 22 عاما، لتقديم عظة الفصح لهم.
– قال أحد الرهبان الذين التقوا القادة الأربعة إن سليمان فرنجية كان أكثرهم استعدادا للحوار المنفتح، شاعرا بالمسؤولية على المصير الذي سيؤول إليه مستقبل مسيحيي لبنان والشرق.

السابق
السعودي: للتعاون مع الشرطة البلدية
التالي
المغترب اللبناني ينهض كطائر الفينيق رغماً عما يحصل له