“أبو عرب”: شعري حزين يعبّر عن صوت الفلسطيني

أبى الا أن يشمخ واقفاً، كما هو حال أبناء جيله الذين عاصروا النكبة، ولا يزالون يعيشون حلم العودة الى الديار، وإن طال الإنتظار.

إنه الفنان الفلسطيني إبراهيم محمد صالح "أبو عرب"، يشدو بصوته الذي يحفظ فلسطين وقضايا الأمة، يواكب ثورات العروبة المعاصرة، لأنها الطريق لتحرير الأرض من المحتل، يحفظ على رأسه كوفية النضال الفلسطيني ويحيا في شعره شهداء القضية.

ورغم المغريات والتهديدات وتقدم العمر، يبقى الحزن يسيطر على شعره وقصائده، لأن لا عيد يحمل السعادة إلا في أرض الوطن، ولكن تفاؤله بالغد والثورات العربية والمقاومة يقرّب يوم العودة للديار.

لمن لا يعرف إبن فلسطين وشاعرها، البالغ من العمر 79 عاماً، يكفيه أسم "أبو عرب" الذي أمضى من عمره 55 عاماً في الفن الهادف، تلمح في كوفيته نضال لا يزال يعبّر عن قضايا الأمة كلها، وفي أصالة صوته قوة كصمودها في وجه التحديات، فما هي الرسالة التي يحملها هذا الفن، يعرب عن ذلك "أبو عرب" بقوله: إن الرسالة التي يوجهها فنه، هي أولاً الى الشعب الفلسطيني وثانياً الى الشعب العربي "أن لا يفرط وأن يصمد أمام كل الهجمات الغربية والصهيونية ويستمر في الكفاح، لأنه لا يحرر الأرض إلا الكفاح، وأنا لا أزال ثابتاً على فني رغم المغريات الكثيرة والتهديدات، ونصف فني حزين لأنه يعبّر عن صوت الشعب الفلسطيني ومآسيه، وقد أصابني كما قال الشاعر حافظ إبراهيم في شعره: "إذا تصفحت ديواني لتقرأني وجدت شعر المراثي نصف ديواني"، وهي عبارة عن شهيد وأسير ومعذب وحنين الى الدار والوطن.

وعن مدى إمكانية تغيّر فنه يشدد "أنا لا أرغب في تطوير فني، لديّ الأغنية الشعبية والملتزمة، ولكن المتغيّرات الحديثة ومتغيّرات الشعوب هي عامل إيجابي على الشعب الفلسطيني، وأشعر بأنني شاعر الحدث، حيث لا يوجد الكثير من الفرق التي تواكب الحدث، فقد قدّمت أغاني عن منتظر الزيدي وواكبت اليوم ثورة الشعوب من تونس ومصر وليبيا، والإستشهاديين من أبو هنود وأبو جهاد، والشيخ أحمد ياسين والرنتيسي وأبو علي مصطفى وجميع شهداء الثورة بغض النظر عن أي فصيل انتموا، لأنني اعتبر أن كل من استشهد لأجل فلسطين هو شهيد الأمة، ولذلك كان فني متابعاً للحدث".

نكبة أكبر من فلسطين وإن كانت نكبة فلسطين حدثاً قد أثر فيه، فما هو الحدث الذي يراه يوازي النكبة، يؤكد "بأن أكبر حدث أثر فيّ بعد نكبة فلسطين كان احتلال العراق، وقد كان حجمه أكبر من نكبة فلسطين، لأنني اعتبر أن الجيش العراقي، بغض النظر عن الملاحظات عن القيادة، كان السد المنيع والرافد للجيوش العربية".

وشاعر فلسطين الحزين، يعرب اليوم عن تفاؤله بعد الثورات العربية ويحمل رسالة للجيل القادم بالقول: أنا متفائل بالمرحلة الحالية بعد ثورة تونس ومصر وليبيا، وبالتأكيد إن التفاؤل سينعكس على فني إن شاء الله، وأدعو الجيل القادم أن يتمسك بتراثه ولغته وحتى لهجته، فإن كان الفلسطيني في غربة، يمكنه أن يعرف الشخص الأخر بأنه فلسطيني مثله من خلال اللهجة، فالفلسطيني سيشكو همّه لأخيه الفلسطيني، والعربي سيشكو لأخيه العربي، وحتماً سيساعدون بعضهم البعض في غربتنا، فتمسكنا بلغتنا ولهجتنا وتراثنا مثل تمسكنا بحق الوطن والعودة الذي لم نعد نخشى عليه، فقبل 15 عاماً كانت إسرائيل شعارها "من الفرات الى النيل" والزحف الدائم، أما اليوم فقد تحجمت وبدأت تتراجع، وتراجعها عن غزة لم يكن برضاها، وتراجعها عن لبنان لم يأت وليد صدفة، فلو بقي لبنان يشتكي مائة عام على قرارات الأمم المتحدة لما حدث شيء، ولولا القوة والمقاومة لما تحررت الأرض، وأصبحت إسرائيل تفكر مائة مرة إذا أرادت القيام بهجوم على أي دولة عربية".

أحب الأوطان وعن أحب الأوطان إليه كان الجواب متوقعاً، إنها فلسطين لا يرضى عنها بديلاً، ولكن أكثر مرحلة سعد بالعيش فيها كانت في سوريا، وإذا أتيح له الخيار بالعيش في مكان أخر سيكون لبنان، لأنها عناوين تجمع النضال الذي يجسّده فنه.

أما أكثر أغانيه التي تأثر بها، فكانت: يا أخوي في الزنزانة، هدي يا بحر هدي، يا يما لو جاني العيد، وأقرب الشعراء الى فنه هم: المرحوم الشاعر راجح السرفيدي وموسى الحافظ وكلاهما من الضفة الغربية، ومن المطربين تأثر كثيراً بالشعراء الشعبيين أبو سعيد الحطيني والمرحوم يوسف حسون، إضافة الى المغنيين العراقيين أمثال سعدون جابر وداخل حسن وسعدون سعد البيادي.
وتبقى الكلمة الأخيرة التي يوجهها "أبو عرب" فكانت الى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان "بأن يحفظوا للشعب اللبناني دعمه وتفانيه وتضحياته في سبيل القضية الفلسطينية"، والى الشعب اللبناني "بأن يتحدوا ويبتعدوا عن الزعامات التقليدية التي لا تفهم إلا التراخي وليس النضال".

وسيبقى صوت "أبو عرب" الجامع لمجد فلسطين ونضالها متمسكاً بحق العودة الى أرض الوطن.

السابق
الحسيني: التعاطي السياسي الحاصل يمكن ان يقود البلاد الى الانتحار الجماعي
التالي
جريحان في حادث اصطدام على طريق الدوير