عون عند حزب الله: أولويّة ودَيْن إلى يوم القيامة

ما لم تقنع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي بأنّ حزب الله لن يفرّط بالعماد عون ولن ينحاز إليهما على حسابه، فإنّ الحكومة الجديدة لن تبصر النور.

هذا المناخ لا يعتبر تجسيدا لثقة العماد عون بنفسه، وبتحالفه مع حزب الله وتطوّر هذا التحالف إلى درجة بات معه الكلام عن هزّة أمرا مستحيلا فقط، بل يرتبط بتفاهم كنيسة مار مخايل الذي تحوّل إلى أكثر من تحالف، والذي تجاوز كلّ حقول الألغام ليصبح ديناميّة متطوّرة غير قابلة للعودة إلى الوراء.

في العام 2006 وبعد أيّام أو ساعات من اندلاع حرب تمّوز زار السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان الرابية واجتمع بالعماد عون، وطالبه باتّخاذ موقف ضدّ حزب الله، وبعدما رفض، عاجلَه فيلتمان بالقول بلهجة غير ديبلوماسية وواضحة: هل تدري ماذا تفعل وإلى أين أنت ذاهب؟ عدّل عون في مقعده وأخذ نفَسا عميقا وردّ على فيلتمان بسرعة وبثقة مَن يعرف ماذا يريد: "تستطيع أن ترسل طائرة وتقصف منزلي، أو أن ترسل قنّاصا يغتالني، لكنّني لست خائفا، وسأبقى على دعمي لحزب الله".

قصّة يرويها عون بثقة أمام أقرب المقرّبين لكي يشيع الاطمئنان إلى موقف حزب الله منه وإلى الدّعم اللامحدود، والذي يتمسّك الحزب بإعطائه لعون، ليس مِنّة، ولا ردّا للجميل على صمود الجنرال دعما للحزب في حرب تمّوز فقط، بل قناعة راسخة بأنّ ما من حليف يمكن إدارة الظهر له وعدم الخوف من غدره، كما العماد ميشال عون.

ولا بدّ أنّ العماد عون يشعر بهذه الثقة ويبادلها الثقة، وهو ما أدّى لأن تصبح العلاقة الثنائية بينه وبين حزب الله العلاقة الأمل تقلّبا في فسيفساء السياسة اللبنانية، ويمكن، إذا جاز التعبير، وصفها بالعلاقة الأكثر وضوحا: عون يدعم حزب الله على بياض في استراتيجيّة التمسك بالسلاح ومحاربة المحكمة، وحزب الله يدفع شيكات مفتوحة للجنرال في حلمه على طريق استعادة المواقع المسيحيّة من الوزارات إلى أصغر موقع إداري في الدولة، والمفارقة أنّ تجربة التفاهم دلّت على أنّ كِلا الطرفين يجدان سهولة فائقة في تبادل الخدمات، فعون استقال من المشروع الكبير في العام 2005 ولم يعد مهتمّا إلّا بالمكاسب التي تعطيه أرجحية للفوز بالنقاط بقوة الخدمات والانتشار الأفقي في الإدارة اللبنانية، وحزب الله الذي لم يكن مهتمّا أصلا بالمشروع الصغير، أضاف إلى حليفه الرئيس برّي حليفا يسهل إرضاؤه من خلال التنازل عن حصص في الحكومة والإدارة لا تعني له أكثر من أنها مجرّد وحول لا يريد الغرق فيها.

وانطلاقا من هذه التبادلية المطمئنة، فإنّ مجرّد توقع قيام حزب الله بالضغط على العماد عون لكسر مطالبه في الحكومة الجديدة، سيكون توقّعا متسرّعا، لا بل مخالفا لأبسط معايير المنطق، فالحزب الذي لديه الكثير من الوسائل الأمنية والاستعلامية يعرف جيّدا معدن خصومه وأصدقائه على السواء، وليس من قبيل الصدف أن يتمّ تسريب وثائق ويكيليكس التي يشاع أنّ حزب الله موّل شراءها، لكي تصيب الخصوم والأصدقاء على السّواء، فهذه الوثائق طالت بمضمونها معظم أطراف المشهد السياسي اللبناني، أصدقاء حزب الله وخصومه، ولكنها استثنت طرفا واحدا هو العماد عون الذي تبيّن الوثائق المنشورة أنه وصهره جبران باسيل كانا الاستثناء شبه الوحيد الذي خرج على إجماع موحّد جاء على شكل مضمون يبدي الاستياء من حزب الله ويحمّله مسؤولية النتائج الكارثية لحرب العام 2006.

إذاً، ولبعض هذه الأسباب فإنّ حزب الله لن يغامر بحشر العماد عون، لا في الملفّ الحكوميّ، ولا في أيّ ملفّ آخر، وهذا ما أوضحته الأسابيع التي تلت تكليف الرئيس ميقاتي، التي كرّر فيها حزب الله الدعم نفسه الذي قدّمه لعون أثناء وقبل تشكيل حكومتي الحريري والسنيورة، وإذا كان رئيسا الجمهورية أو الحكومة المكلّف يراهنان على أن يلعب حزب الله دورا متوازنا، لولادة حكومة متوازنة فإنّ رهانهما سيصطدم كما تشير الوقائع بحائط صلب، وربّما تكون رسائل الويكيليكس الأخيرة الموجّهة إلى الرئيس سليمان المؤشّر الأبرز إلى أنّ الحزب يسعى لإضعاف رئيس الجمهورية وليس لتحصينه، وربّما من أجل ذلك ستكون محاولته الأخيرة المناورة على العلاقة المتينة بين سليمان وميقاتي لعزل الأوّل وإغراء الثاني، وعندها يمكن أن يأخذ عون من الحكومة ما يريد من حقائب.

وتجاوُبا مع هذه المناورة قبِل العماد عون بالتخلّي عن الداخلية واشترط نيل المالية حصرا، وهو يعرف أنّ هذا الطلب سيرفضه ميقاتي، وحينها يصبح تمسكه بالداخلية لا عودة عنه.

السابق
السياسة: اجتماع رباعي ماروني في بكركي اليوم برعاية البطريرك للم الشمل
التالي
مصادر لـ “الأنباء”: 8 آذار في مستنقع الحسابات الخاطئة