الراي: لبنان المرشح للاستمرار «بلا سلطة» يتهيّب سيناريوات تهب من المنطقة

إذا كانت سورية أو ليبيا أو اليمن أو سواها صارت في عين العاصفة، فإن لبنان الذي استوطنها منذ امد بعيد لم يغادرها، ومن غير المستبعد صعود «نجمه» من جديد في لائحة الدول المحكومة بـ «الكر والفر» في صراعات لاهبة «مجهولة باقي الهوية».
فلبنان المترنح «بلا سلطة» منذ ثلاثة أشهر قد يعجز عن تركيب حكومة جديدة، في الوقت الذي تدهمه تداعيات مفتوحة لما يجري في سورية وفي البحرين على حد سواء، ما يجعل مصيره اسير التطورات في مداره الاقليمي، وسط عجز داخلي عن إدارة حتى أزمته.

والمأزق الحكومي «المستدام» في بيروت لا يرتبط بما تحمله التقارير اليومية عن صراع على الحقائب الوزارية، بقدر ما هو على صلة بمفاعيل الـ «تسونامي» الذي يضرب على طول المنطقة وعرضها، ويضع الجميع في لبنان امام خيارات صعبة ومن النوع الاستراتيجي الذي لا يمكن تفاديه.
وفي رأي اوساط واسعة الاطلاع في بيروت انه لم يعد في الامكان مقاربة الوضع في لبنان بمعزل عن تطورين بالغي الخطورة، هما:
? التحديات المتزايدة التي يواجهها نظام الرئيس بشار الأسد في سورية، وتالياً الاحتمالات «المفتوحة» لتطورات الوضع في سورية.
? بلوغ التوتر العالي في العلاقات السعودية – الايرانية مستويات غير مسبوقة، وارتدادات هذا التوتر على «الساحات المشتركة» في المنطقة.
ازاء هذه التحديات المضافة على تحديات «قديمة» في بيروت، يصبح من الطبيعي توقع الاسوأ في لبنان، خصوصاً اللاعبين المحليين هم جزء من اللعبة الاقليمية التي تزداد تأججاً مع حركة الاحتجاجات «الجوالة» في دول المنطقة.
من هنا يصعب الحديث عن امكان ولادة حكومة جديدة وفي وقت قريب في بيروت، خصوصاً ان الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بدأ «يستهول» هذه المهمة الاشبه بـ «كرة النار» المرشحة للانفجار بين يديه نتيجة «الصواعق» الاقليمية المفتوحة.
وتعتقد دوائر مراقبة في بيروت ان المعطيات التي شجعت ميقاتي على المجازفة بقبول تشكيل الحكومة انقلبت رأساً على عقب، وتالياً فإنه اصبح في مأزق عدم الرغبة في التشكيل وعدم القدرة على التراجع لاسباب تتصل بـ «السيناريوات المحتملة في البلاد وحولها».
ولاحظت هذه الدوائر ان «حزب الله» الذي يعمل على اقناع ميقاتي الاسراع في تشكيل الحكومة، قلصت من حجم شروطه السياسية امام الرئيس المكلف لتشجيعه على قلب الصفحة نظراً للاهمية المزدوجة لقيام الحكومة، الداخلية والاقليمية على حد سواء.
وترى الدوائر عينها ان جميع مكونات الحكومة «المحتملة» هم الان في مأزق. فميقاتي مرتاب من اقدامه على تشكيل الحكومة ويدرك الاثمان الباهظة للاعتذار، و«حزب الله» يريد حكومة بـ «اي ثمن» وغير قادر على احراج ميقاتي لاخراجه.
ولعل ما يجري الان بين لبنان وسورية يشكل «اول الغيث» لسيناريوات اكثر دراماتيكية ترتبط بتطور الاوضاع في دمشق، ما يجعل الجميع في بيروت امام «مراجعة» لحساباتهم ازاء الملف الحكومي والمسائل الاخرى.
فدمشق واصلت مراكمة «ملفها» تجاه «تيار المستقبل» واتهامه بالتورط في الاحداث الجارية على اراضيها. وفيما أكمل فريق الحريري تعزيز خطوط دفاعه السياسية التي أدخل المؤسسات (البرلمان والقضاء) نقطة ارتكاز فيها، اعلن السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي ان ردود «المستقبل» وحلفائه على كلامه الأخير «تندرج في إطار إطلاق الذرائع الهادفة للهروب الى الامام، ولا تصبّ في خانة البحث عن الحقيقة». ورأى أن «العلاقة المميّزة بين لبنان وسورية والأمن المشترك بين البلدين، يستدعيان الحرص على جلاء الحقيقة من دون التوقف عند النصوص الجامدة والشكليات البروتوكولية».
واعتبر علي في حديث صحافي أن «التحريض على إثارة الاضطرابات والفوضى في سورية، وحجم الابتزاز للعمال والطلاب السوريين في لبنان، هما أمران لا يحتاجان إلى شهادتي، بل عكستهما مختلف وسائل الإعلام»، مضيفاً: «هناك إثباتات تعزز الاعترافات التي عُرضت عبر شاشة التلفزيون السوري، ولكن سواء نشرت هذه الإثباتات أم لا، فإن المطلوب تحرك من لبنان للبناء على المعطيات الموجودة، وهذا ما لمسنا مؤشراته من خلال اجتماع رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) مع (الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري) نصري خوري.

وفي السياق نفسه، اوضح خوري انه سيباشر الاتصالات مع الجهات القضائية المعنية في كل من لبنان وسورية للاطلاع على الإجراءات المطلوبة لتكوين ملف قضائي حول الموضوع، مشدداً على أن رئيس الجمهورية أبدى أمامه حرصه على وضع هذا الموضوع في سياقه القضائي في حال توافر مستندات ووثائق سورية بخصوص الاتهامات، لتقديمها إلى المراجع القضائية اللبنانية ليبنى على الشيء مقتضاه.

السابق
طائرة استطلاع اسرائيلية خرقت الاجواء اللبنانية
التالي
“السياسة” عن “الوطن”: “مفاجآت” في الأسماء اللبنانية “المتورطة بالمؤامرة”