قلعة شقيف… كنوز تتفجّر

بعد ستة أشهر على انطلاق العمل في ترميم وتأهيل قلعة الشقيف – أرنون، بدأت ملامح القلعة تظهر للعيان، خصوصا تلك الجدران والقناطر والعقود التي كانت مطمورة لسنوات طويلة بسبب ما تعرّضت له القلعة على مدى ربع قرن (1975 – 2000) من اعتداءات إسرائيلية، فضلا عن الإهمال الذي كان يلقي بتبعاته على هذه القلعة الصليبية المعروفة باسم قلعة "بوفور" مدة ستة عقود.

حملة الترميم والتأهيل التي تنفّذ بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بالشراكة مع وزارة الثقافة اللبنانية ومجلس الإنماء والإعمار، وتنفيذ شركة "ورد"، كشفت النقاب، بعد ستة أشهر على انطلاقها، عن مجموعة من الجدران والممرّات والسقوف والقناطر والعقود وفتحات التهوئة والإنارة التي كانت مطمورة تحت أطنان من الردم والتراب المتراكم من دون تأهيل ورعاية، وبفعل الغارات الإسرائيلية التي طاولت القلعة مرّات عدة وأدّت إلى تدمير أجزاء كبيرة منها ودمج أقسامها.

وإذا كانت الخرائط التي أعدّتها وزارة الثقافة، بعد دراسات استمرت نحو خمس سنوات، هي الدليل على الأعمال التي تجري في القلعة القائمة على منحدر صخري، فإنّ الأعمال كشفت عن جدار علويّ في الجهة الشرقية من القلعة، فوق ما يعرف بـ"سوق العبيد"، لم يكن ضمن الخرائط والدراسات المعدّة سلفا، والأرجح أنه من مخلفات الأسَر العاملية التقليدية التي سكنت القلعة في أواسط القرن الثامن عشر.

وتمّ العثور على الجدار خلال ورش إزالة الردم، فوق إحدى قنوات الإنارة، وهو مكوّن من حجارة مصقولة، تختلف عن الحجارة الضخمة التي تتألف منها جدران القلعة؛ وتعلوه أجزاء من قنطرة تهدّمت كليّا. وساهم الكشف عن فتحات الإنارة، خصوصا فوق "سوق العبيد"، في إنارة قسم كبير من دهاليز القلعة، لكن هذه الفتحات تحوّلت إلى مزاريب جعلت مياه الأمطار الأخيرة، تتدفق في غزارة إلى داخلها، ما أعاق قليلا الورش الداخلية.

أمّا في الجهة الغربية، حيث كشفت عملية إزالة الردم عن الأجزاء المتبقية من المدخل الرئيس، المفتوح نحو الجنوب، يتبيّن أنّه من ممرّات وأبواب وعقود طمرت بعد العام 1978، إذ ظهرت على الجدران كتابات وشعارات كان يستخدمها مقاتلو القوات الفلسطينية الذين اتخذوا من القلعة موقعا عسكريّا بين الأعوام 1978 و1982، تاريخ الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

ويشير المهندس المشرف على أعمال التأهيل من قبل شركة "ورد" عياد فياض لـ"الجمهورية"، إلى أنّ الحملة "غطت بعد ستة أشهر على انطلاقتها أكثر من ثلاثين في المئة من المهام المقرّرة، في التنظيف، لأنّ الأعمال التي بدأت مطلع أيلول 2010 لم تتوقف مطلقا، حتى في أيّام المطر، التي كنّا ننتقل خلالها للعمل في داخل الغرف والممرات، لنزيل من معظمها الردم والأتربة، الناتجة عن تدمير بعض طبقاتها".

وكشفت الأعمال الخارجية بين جدران القلعة العلوية، بحسب فياض، عن مجموعة من الذخائر غير المنفجرة "التي قام فوج الهندسة في المكتب الوطني لنزع الألغام، في الجيش اللبناني، بتفجيرها، أو نقلها إلى خارج المنطقة، فضلا عن بقايا عظام بشرية رجّح الطب الجنائي أن تكون لمقاتلين فلسطينيين سقطوا هنا". ويشير إلى "طبقات هدمها القصف الإسرائيلي، لم تصل الأعمال إليها بعد، ويرجّح أن نجد فيها هياكل عظمية لمقاتلين سقطوا هنا".

وأهّلت أعمال التنظيف البرج الجنوبي الغربي وجعلته جاهزا للترميم، الذي سيطال الجزء السفلي منه، أمّا العلويّ فقد فُقدت معظم حجارته. وبيّنت الورش أنّ معظم الحجارة الضخمة التي انهارت بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة، غير موجودة، أو تحطّمت وباتت غير صالحة للاستعمال، "وهي كمّية بسيطة استطعنا جمعها من قلب الرّدم" يقول فياض.

في الجهة الجنوبية المقابلة لقلعة الشقيف، أظهرت أعمال التنقيب جدران أحد خزّانات المياه التي كانت تحيط بالقلعة، فضلا عن جدران خزّان آخر من الجهة الشمالية. وستعمل الورش لاحقا على جرف التلة الجنوبية التي استحدثها الإسرائيليّون خلال فترة احتلالهم القلعة بعد العام 1982، حيث سيكون المدخل الخارجي الرئيسي للقلعة، بعد إتمام عملية الترميم والتأهيل، من هناك، إذ سيشيّد مبنى للاستعلامات والخدمات السياحية، على أن توضع القلعة تحت إشراف المديرية العامة للآثار، التي ستستوفي رسوم دخول السيّاح والمواطنين إلى القلعة، ليتمّ استخدامها في تأهيلها ورعايتها وتنظيفها، كما، ستزيل الورش الخرسانات الإسمنتية التي أدخلها مستخدمو القلعة، من فلسطينيين وإسرائيليين، والشعارات والكتابات عن الجدران الصخرية.

السابق
حملة تشجير في صور
التالي
بلدية لالا تسلَّمت حاوية من الأمم المتحدة