قانا في ذكرى المجزرة..منكوبة حتى بالاغتراب

لا يزال الجرح ينزف، ولا يزال أهالي بلدة قانا في لبنان وبلاد الاغتراب يستيقظون على نكبات متتالية، ففي الذكرى السنويّة لمجزرة قانا الأولى، تأتي أحداث أبيدجان وإجلاء اللبنانيين منها لتشكّل أزمة جديدة تُضاف إلى سجل بلدة قانا وأهاليها الذين يشكلون 75% من عدد المغتربين اللبنانيين في ساحل العاج.
يرتبط الدخول الى بلدة قانا بصورة المجازر البشعة التي ارتكبتها فيها اسرائيل، وحيث اعتاد أهالي قانا على اضافة ذكريات أليمة الى القائمة، فانّ شعاع الأمل وطموح العيش يدفعان بهم الى الانتفاض والبدء من جديد. جلنا في قانا والتقينا بالمغتربين العائدين من معارك أبيدجان الذين تحدثوا عن مصاعب الوصول الى لبنان، وفي حين شكر عدد منهم بعض الجهات على مساعدتهم، عتب كثيرون على تقصير السلطة اللبنانية، متحدثين عن حجم الخسائر ومدى التأثّر الاقتصادي بانقطاع تحويلاتهم المالية الى أهاليهم في لبنان.
ما قبل الجسر وما بعده
يقسّم علي عطية الشاهد على معارك أبيدجان والذي قدم الى لبنان الأسبوع الفائت، أبيدجان الى منطقتين: منطقة ما قبل الجسر ومنطقة ما بعده. المنطقة الأولى تركزت فيها العمليات الحربية، أمّا المناطق المقابلة حيث تتركّز فيها الجالية اللبنانية فكانت مؤمنة الى حد ما من الجيش الفرنسي، ولكنها تعرضت لكثير من السرقات. يقول علي "دفعت الجالية اللبنانية في أبيدجان الكثير من الخسائر الماديّة، وللأسف فانّ عمل عشرين او ثلاثين سنة تبخّر امام عيون اللبنانيين". قدم علي الى لبنان مع والده وسبعة أشخاص آخرين على متن طائرة خاصة أمّنها أحد الأشخاص الميسوريين الى غانا، ومن غانا قدموا على متن طائرة الى لبنان على نفقة الدولة اللبنانية.
تقصير وتساؤل
لم يجد عدد كبير من المغتربين اللبنانيين من يحميهم ويؤمّن لهم الطعام في أزمة أحداث أبيدجان، وهم الذين هربوا من لبنان الى بلدان قد تعرض حياتهم للخطر ولكنّها تؤمّن لهم شروط عمل أفضل. يسأل علي "أنتم في لبنان، ألا تشعرون في أحيان كثيرة بأنّ لا سلطة تسأل عنكم، نحن لمسنا هذا في أبيدجان، وننظر بأسى كيف أنّ المغتربين ينعشون الاقتصاد اللبناني، وعند الحاجة لا نجد سلطة تحمينا". مضت خمسة شهور في أبيدجان قبل حصول المعارك الأخيرة، والجميع كان على علم بحدوثها، والدولة اللبنانية والسفارة لم تعملا على استباق الأحداث والتنظيم لتفادي الوقوع في الخطر. يؤكّد نائب رئيس بلدية قانا زين العابدين دخل الله أنّ الجالية اللبنانية هي الجالية الأكبر في ساحل العاج ويتخطّى عدد المغتربين الـ90 ألفا، وهي أتعس جالية في أفريقيا، وحتّى إنّ السفارة "مجرد شقة صغيرة في احدى البنايات". يشرح دخل الله كيف أنّ السلطة المغربية تحسبّت قبل أشهر من بدء المعارك بخطورة الوضع وعملت على سحب رعاياها.
وصل المغترب الياس بطرس الى لبنان الأسبوع الفائت، "الله هو الوحيد القادر على حمايتنا وتسهيل أمور الجميع"، يبدأ الياس حديثه بهذه العبارات عندما لم يلمس أي اهتمام وتدخل رسمي من أجل عودتهم الى لبنان. يقول "اكتشفت كمواطن مغترب أنني يجب ان اعتمد على نفسي في ظل هذه الأزمات". قدم الياس وعائلته الى لبنان بشكل مباشر من أبيدجان على حساب الميدل ايست، بعد أن تعرضوا للسرقة، ولكن هذا لم يؤثّر كثيراً لدى زوجته أمام هول المفاجأة في لبنان عندما وجدت أنّ جميع محتويات منزلها سُرقت. تقول "قدمّت شكوى امام مخفر الدرك ولم اجد أي اهتمام، كان البقاء في أبيدجان أرحم من العودة". أمّا الياس فيقول "أريد ان أتخلّى عن جنسيتي، فلا تؤمّن لي الاحترام لا في بلدي ولا في بلاد الاغتراب".
السفارة أيضاً في خطر
لم يسمح حسن عطية للثوار بأن يصعدوا الى منزله في منطقة المعارك ليسرقوه، فكان يستبقهم ويعطيهم المال وما يحتاجون دون الحاجة الى التخريب. يقول حسن "لم يكن ما يفعله الثوار ثورة سرقة بل كان كل ما يحتاجونه هو المال والسيارات للتنقّل، وأنا كنت أعطيهم الأغراض لكي لا نُقتل". يتابع "كنّا نتواجد في منطقة المعارك، وكمية القصف كانت تصدر من منطقتنا الى المنطقة المواجهة وهذا كان في صالحنا. استطعنا تأمين طائرة خاصة الى غانا على حساب شخص مقتدر يُدعى حسن دخل الله، كلّف تأمين الهليكوبتر 16 ألف دولار أميركي. ومن غانا رجعنا الى لبنان على نفقة الدولة اللبنانية". يؤكّد حسن انّ الدولة اللبنانية والسفارة عملتا بامكانياتهما، متحدثاً عن جهود السفارة وبعض الاشخاص والاحزاب، غير أنّ بعض الأهالي لم يتراجعوا عن شتم الدولة والسفارة والتطاول عليهما بالكلام. يتساءل حسن "هل كانت السفارة تملك عشرات الهليكوبترات ولم تقدمها لمساعدة المنكوبين في أبيدجان؟. هم أيضا كانوا في موقع الخطر مثلنا تماماً".
مضت على وجود يوسف زعرور في لبنان 6 سنوات، عاد بسبب ظروف عائلية ولكنّه يؤكّد بانّه سيرجع الى أبيدجان لأنّ ظروف العيش هناك أسهل حتّى في ظل هذه المعارك. أمّا فادي بيطار فيتحدث عن أيام صعبة عاشها وعائلته في أبيدجان، وكيف أنّ جنسية ابنته الأميركية كانت المخلص للعودة الى لبنان. يقول "بقينا عشرة أيام في منزلنا لا نستطيع ان نشعل الانارة كي لا يعلم احد بوجودنا بالرغم من انقطاعنا من الطعام والماء والحليب للأطفال". يتابع فادي "أخبرت الجيش الفرنسي بأنّ ابنتي تملك الجنسية الاميركية وأريد ان اترك المنطقة، وفي اليوم التالي وبعد استكمال الاجراءات كنّا في لبنان بعد 15 يوماً قضيناها في المعارك".
تضافر الجهود
تدهورت الاوضاع بشكل سريع رغم الأشهر التي سبقت المعارك حيث شعر اللبنانيون هناك باأنّ الاوضاع غير مستقرّة ولكن لم يفكر معظمهم بأنّ الاوضاع قد تصل الى حالة الحرب. يعتبر رئيس بلدية قانا محمد عطية بأنّ المشكلة كانت في حجم الجالية اللبنانية الكبير في ساحل العاج، "لم تكن الدولة جاهزة لتغطية احتياجات العدد الكبير واجلائهم من أبيدجان. السلطات اللبنانية كانت تطلب عبر مؤسساتها بأن يتعاطوا مع اللبنانيين الموجودين في ساحل العاج كما يتم التعاطي مع الرعايا الفرنسيين هناك. كنا على متابعة دائمة مع السفارة اللبنانية والجيش الفرنسي في أبيدجان، والضعف تمثّل في غياب القوة العسكرية". والمطلوب اليوم حسب عطية "أن تتضافر الجهود السياسية والدبلوماسية لتأمين عودة لائقة لأهلنا في ساحل العاج، وامكانية المساعدة والتسهيلات على مستوى الضريبة والتعويضات من اجل اعادة الوضع عما كان عليه واستكمال الحياة بشكل طبيعي".
أبيدجان رئة قانا
يشكّل المغتربون في أبيدجان، رئة يتنفس منها معظم الاهالي في قانا، وقد يكون المصدر المعيشي الأول لمعظم العائلات في قانا تحويلات المغتربين. ويشرح العائدون من أبيدجان كيف أنّه وقبل بداية المعارك بأربعة شهور، أُقفلت البنوك وتردّى الوضع التجاري، ما أثّر بشكل كبير على الاوضاع الماديّة، وبدأت تحويلات المغتربين بالتراجع بشكل ملفت. وبالطبع في حال عودة اللبنانيين الى هناك مجدداً ستتأخّر اعادة التحويلات الى لبنان، ومعظم الأشخاص سيضطرون "الى البدء من الصفر".
في ذكرى المجزرة
يبلغ عدد سكان قانا 36 ألف نسمة، 8000 شخص يقطنون قانا، والباقون مهاجرون والعدد الاكبر موجود في أبيدجان بنحو الـ 75%، وفي أبيدجان شارع يُسمّى "شارع قانا"، ومن قدم الى لبنان بعد المعارك لا يتخطّى عددهم 3000 شخص. يقول رئيس البلدية محمد عطية "نحن أبناء قانا وجوارها كُتب علينا التهجير داخل الوطن والتهجير الى الوطن، فأولادنا يُهجّرون الى لبنان من بلاد الاغتراب. اعتدنا على عيش الحياة الصعبة بارادة قوية وسنرجع نبني من الاساس كل ما تدمّر". أمّا علي عطية فيقول "نكبات لبنان، نعرف كم دفعنا ثمن الارواح والدماء والأموال من جرائها، ولكن نكبات أبيدجان فنحن ندفع من حياتنا وعمرنا ولا نعرف لماذا، نخسر كل ما نملك ولا احد يحمينا".

السابق
تفاصيل بنود الاتفاق حول معمل معالجة النفايات في صيدا
التالي
مصادر امنية لـ”المنار”: لا تدابير جديدة للجيش لضبط حدود لبنان وسوريا