رداً على الأستاذ طلال سلمان: نصائحكم لسورية تستولد القلق فقد أصبحتم شاهد عيان عن بعد

تقولون في كتابكم تحت عنوان: «ما يشبه الكتاب المفتوح إلى الرئيس السوري بشار الأسد» المنشور في صحيفتكم السفير تاريخ 12/4/2011: «ليس ما تشهده سورية، هذه الأيام من اضطراب سياسي يغلب على معالجته الطابع الأمني بنتائجه المأساوية شأناً داخلياً لا يخص إلا شعبها ونظامها، بل هو شأن عربي عام يستولد القلق، ويكاد يكون شأناً داخلياً لبنانياً يؤثر فينا بالسلب بقدر تأثيره في سورية وعليها…». كذلك نحن كفلسطينيين مثلكم في لبنان نرى أن ما يجري في سورية ليس شأناً داخلياً سورياً بل هو شأن عربي فلسطيني يستولد القلق عند كل عربي بشكل عام وعند شعبنا الفلسطيني بشكل خاص ولكن اسمح لي وأنت الإعلامي الذي يعرف سورية وقيادتها جيداً، ولك – حسب حدود علمي – مكانة خاصة عند السوريين أن أتوقف معك عند بعض النقاط التي تستولد القلق في مضمون كتابكم شبه المفتوح الذي جاء أقرب إلى التعليقات السياسية التي تضج بها معظم الفضائيات العربية وتقرأ الأحداث في سورية من زاوية أمنية سياسية تغيب عنها خلفيات تلك الأحداث، بل إنها تتعمد عزل تفاعلاتها عن أي عوامل خارجية، تلك التفاعلات التي بدت واضحة مع تدخل أوباما البغيض في الشأن الداخلي السوري هو وملحقاته من الدول الأوروبية الذين ركبوا موجة الاحتجاجات المطلبية المحدودة، وعملوا على الاتجار بها وصولاً إلى محاولة عسكرتها من أجل إسالة الدم وقطع الطريق على خطوات الإصلاح.

الأستاذ طلال:
كان من اللافت والمستغرب أن تقرر ومنذ السطر الأول لكتابك أن ما يجري في سورية هو «اضطراب سياسي يغلب على معالجته الطابع الأمني…».
على حين كان الذين يطلون عبر شاشات التلفزة المستعربة هم الذين يتحدثون عن اضطرابات سياسية، تعمل عليها دول وجهات يؤرقها أن تكون سورية في الجغرافيا والتاريخ والسياسة العمق الحيوي الإستراتيجي الذي يعول عليه العربي لاستعادة الأمة توازنها وزمام المبادرة لوقف التغول الأميركي الصهيوني الذي يراد له أن يضرب نسيج هذه الأمة وهويتها ويفسخ مكوناتها، وهنا اسمح لي يا أستاذ طلال قبل أن تهز رأسك مستهجناً الحديث عن نظرية المؤامرة بعد أن بات مجرد الحديث عن المؤامرة تهمة يهرب من الحديث عنها مثقفون وساسة بعد أن نجح تيار الواقعيين الجدد في إسناد كل ما يحصل في عالمنا العربي إلى المرجعية القدرية والعقاب الإلهي أو إلى الحتمية التاريخية الرأسمالية، فبات كل من يتحدث عن الظروف الموضوعية والدور الخارجي متهماً بالفشل والقصور الفكري ومطارداً بفوبيا نظرية المؤامرة.
في كتابكم شبه المفتوح قرأتم ماذا قال أنصار النظام في سورية، وماذا قال منافسوه عن دور سورية «حارس البوابة الشرقية» وعن الدور المؤثر لها في شؤون المنطقة وعن الرصيد الذي أضافه النظام لذاته بمشاركته مصر في حرب تشرين وصولاً إلى تفويضه أميركياً لمعالجة الملف في لبنان، ثم إعادة النظر بهذا التفويض بعدما اتخذ الرئيس بشار الأسد «موقفاً اعتراضياً حاداً» في وجه الاحتلال الأميركي للعراق… وكنت أتوقع منكم. وقد أتيتم على بعض ما حققته سورية في لبنان ألا تتوقف لديكم حدود التحليل لتلك المواقف عند الإيحاء بصفقة متبادلة منحت سورية بموجبها تفويضاً أميركياً في لبنان مع إغفالكم للبعد القومي لتلك المعركة القاسية التي بذلت فيها دماء من الجيش السوري من أجل السلم الأهلي، وكان من نتائجها لاحقاً إسقاط اتفاق 17 أيار، قبل أن يلبس عاره لبنان فيما لو طبق، ومن ثم كيف أن سورية كانت العامل الأساس في انتصار لبنان عام 2000 و2006 وقد مثلت تلك المحطات ذروة المواجهة مع الإستراتيجية الأميركية التي أثمرت عزة ومفخرة وكرامة للبنان في مواجهة محاولات إغراقه في ثقافة الكازينو، وتعلمون أن تلك المواجهة كانت على حساب أولويات أمن سورية واقتصادها.. ومؤكد أن سورية في هذا لا تحمّل أحداً منّة أو تطلب مقابلاً فهي بذلك تدافع عن مبادئها وقناعاتها وعن أمنها الوطني والقومي أيضاً.. وهنا نتساءل لماذا لا نسمي تلك المواقف السورية في لبنان أنها كانت «موقفاً اعتراضياً حاداً في وجه محاولات أميركا وإسرائيل لإسقاط لبنان واحتلاله على كل المستويات» كما سميتم الموقف السوري من الاحتلال الأميركي للعراق؟!
ألا تعتقدون أن قولكم بتجديد التفويض الأميركي لسورية وقوننته من بوابة اتفاق الطائف إلى «إطلاق يد النظام السوري في صياغة الحكم في لبنان تقديراً لمشاركته في تحرير الكويت..» إنما يندرج تحت بوابة نظرية المؤامرة، أو الصفقات المشبوهة الضيقة.. ما دام الطرف الآخر للمعادلة هو الإدارة الأميركية؟! ثم أليست إشارتكم إلى دور سورية في التجديد للرئيس إميل لحود التي توسعت كما تقولون من بعدها «دائرة الاشتباك» السياسي وربط ذلك مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري بكل ملابساتها «فيها الكثير من الغمز واللمز من قناة سورية، وخاصة أن تهمة الاغتيال – رغم البصمات الصهيونية الواضحة فيها- قد طاردت سورية وحزب الله؟! ثم تتحدثون بعد تلك الاستعادة السريعة لمراحل الدور السوري في لبنان» عن القلق لديكم على سورية وعن نظامها الذي أصابه «اليباس» حسب وصفكم.

الأستاذ طلال سلمان!!
لقد نصبتم أنفسكم قاضياً واتخذتم من موقعكم الكريم صفة «شاهد عيان» وأنتم في بيروت وكتبتم «لقد فوجئ اللبنانيون- كما السوريين بالتأكيد- باستخدام الرصاص في مواجهة مطالب الإصلاح» وكذبتم الرواية الرسمية السورية عن اتهام مندسين في صفوف المتظاهرين وحتى الأدلة التي عرضها التلفزيون السوري صوتاً وصورة بدت بالنسبة لكم مجرد «صور شاحبة ولا صدقية لها- وهي- لأشباح اتهمها الأمن بافتعال الشغب والتسبب في المأساة الجديدة».
قد نتفهم أن يقول ذلك النائب اللبناني (جمال جراح) لنفي التهمة عن تورطه مع الخلية الإرهابية التي عرض وقائعها الإعلام السوري، ولا نستغرب أن ينفي ذلك تيار المستقبل وزعيمه، ولكن أن تأتي منك فهذا أمر يجعلنا نسأل هل ضباط وجنود الجيش العربي السوري التسعة الذين استشهدوا في بانياس هم الذين أطلقوا النار على رؤوسهم؟!
وبعد لا أدري يا أستاذ طلال كيف ستصل نصائحك إلى الرئيس الأسد؟ ولا أعرف كيف يكون الصديق ناصحاً وقلبه على سورية ونظامها وشعبها وهو يرى أن «القمع» في سورية كان يزيد من أعداد المتظاهرين يوماً بعد يوم، ولسان حالك في ما تحكم به يتماثل مع ما يقوله شهود العيان الذين أحضروا على عجل إلى ساحة المعركة ليرموا الحقيقة بسهامهم، لا أدري كيف ستصل نصائحكم إلى من يعنيه الأمر وأنت لم تأت في مقالتك على حرف من عمليات التحريض والتمويل السياسي والإعلامي الأميركي والغربي ومن الدول المستعربة وفضائياتها وأموال نفطها!! والأكثر إثارة للدهشة والمفارقات المؤلمة ألا ترى ما تحقق من إصلاحات على الأرض تجاوزت سقف المطالب الشعبية، وتعتبر أن «خطاب الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب جاء مخيباً للآمال..».

وكأن المطلوب من الرئيس الأسد في خطابه أن يتوسل شعبه وهو يقرأ مرتجفاً نشرة يعلن فيها تخفيض سعر السكر والرز والكهرباء والماء والمازوت، ولم تعط لنفسك فسحة لتقرأ معنى الإصلاح البنيوي المدروس الذي تعمل الجهات المعنية على تجذيره بعيداً عن انتهازية وارتجالية اللحظة ومنطق الرشا التي يلجأ إليها البعض من أجل تخدير الناس.
من موقعي كفلسطيني وأعود إلى بداية مقالكم حيث تقولون «وبرغم أن آراء اللبنانيين في النظام القائم في دمشق ليس موحداً…» لأقول إن آراء الشعب الفلسطيني بأغلبيته في النظام القائم في دمشق موحدة وأساسها القناعة بأن سورية شعباً وقيادة تدفع اليوم من خبزها وأمنها ثمن وقوفها المبدئي الثابت إلى جانب شعبنا الفلسطيني وقضايا الأمة العربية، وأنها تعاقب الآن على تلك المبدئية الميدانية وأن أميركا تحاول مستعينة بحلفائها وأدواتها التعويض عن خسارتها الكبرى بسقوط نظام كامب ديفيد بمحاولة إسقاط قناعتنا وأحلامنا حتى يتشابه الجميع في الخسارة والإحباط.

السابق
الهجرة أزمة أوروبا المقبلة
التالي
الجنوبيون يواجهون البناء في المشاعات باعتصام ومؤتمر