الراي: “فرْملة” الحكومة اللبنانية تفتح الباب أمام عناوين تتسارع “بلا كوابح”

لم يعد غريباً مع دخول ازمة تأليف الحكومة الجديدة في لبنان شهرها الثالث ان تبدأ ملفات سياسية وأمنية واجتماعية متنوعة تطغى على الاهتمامات وتتصدر العناوين العريضة للأولويات فيما يتراجع تدريجياً وعلى طريقة المد والجزر اليومي الاستحقاق الحكومي.

وعلى وقع استمرار تفاعلات الاتهامات السورية لتيار «المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) ونائبه جمال الجراح بادخال السلاح والمال الى اراضيها واذكاء الاحتجاجات التي تشهدها، وفيما اتسعت رقعة السجال بين «المستقبل» وكل من «حزب الله» وحركة «أمل» على خلفية ملف «الهجمة» على مخالفات البناء في الجنوب، وفي حين اضطّر الرئيس ميشال سليمان الى الدخول على خط «الطعن» بصدقية ما ينشر من وثائق «ويكيليكس» كانت نسبت اليه كلاماً عن «حزب الله»، بدا في عطلة نهاية الاسبوع ان مناخ تأليف الحكومة بلغ حداً من الاخفاق لم تعد معه قوى الأكثرية الجديدة تملك اي «مفتاح سحري» لاحداث اختراق في الانسداد القائم وسط معالم نشوء محاور مختلفة من ضمن هذه الاكثرية نفسها.

وتتداول الاوساط العليمة باستغراب واسع ان هناك حال انعدام ثقة تامة تنامت اخيراً بين اطراف في هذه الاكثرية ورئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي الى حد ان بعض المطلعين يذهب الى القول ان ما بين زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون وميقاتي مثلاً صار اكبر مما بين عون والرئيس سعد الحريري نفسه.
ولا يترك النواب في كتلة عون انفسهم اي مجال للشك في هذه الحالة من الجفاء والنفور في تصريحاتهم العلنية اضافة الى ان بعض حلفاء التكتل الآخرين لا يتوارون عن توجيه حملات مباشرة ضد ميقاتي. فهل يعني ذلك ان الرئيس المكلف وقع في حصار حسابات ما بعد الاهتزاز الكبير في سورية ام ان حلفاء سورية جميعاً يعانون من المشكلة نفسها؟

في اعتقاد الاوساط العليمة نفسها ان الجواب هو مزيج من الاثنين معاً. فلا ميقاتي عاد قادراً على الخروج بحكومة تحمل بواطن المغامرة الخطيرة بلونها «الواحد» ما لم يجر تخفيفها بتوزيع مرن للحقائب والحصص تساعده على تجنب مضاعفات خارجية صار خطرها اكبر بكثير من يوم تكليفه في 25 يناير في ضوء الزلزال الهائل في العالم العربي. ولا حلفاء سورية ايضاً عادوا قادرين على فرض اجنداتهم الخاصة والتصرف كما يحلو لهم بعدما جمعوا صفوفهم مع الاطراف «الوسطية» ونالوا الاكثرية، فاذا بالتطور السوري يشكل عاملاً داهماً حاصر الجميع وجمد حركتهم في انتظار بلورة مصير المعركة الكبيرة بين النظام السوري ومعارضيه.

في موازاة ذلك، انهمك المسؤولون بمتابعة تداعيات الاتهامات السورية لـ«تيار المستقبل»، في حين برز ما نقلته صحيفة «النهار» من ان الجيش السوري أقدم يوم السبت على نشر قواته عند الحدود الشرقية للبنان، خصوصاً المنطقة الواقعة بين بلدة القاع الحدودية في البقاع الشمالي وجوسية العمار السورية وصولاً الى المرتفعات الجردية شرقاً وغرباً، وشدد الاجراءات في نقاط حرس الحدود السورية وبعض مواقعه الرئيسية القريبة من الحدود، لمكافحة التهريب من سورية الى لبنان عبر منافذ ومعابر غير شرعية.

واذ بقي «الاشتباك» بين دمشق و«المستقبل» على حاله وكذلك الأمر على «الجبهة الموازية» التي «اشتعلت» بين تيار الحريري و«حزب الله»، واصل «المستقبل» عملية «الهجوم الدفاعي» بعد اعتبار السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي أن ما عرضه التلفزيون السوري من اعترافات هو «اعلان واخبار يستوجب المتابعة لبنانياً من دون حاجة الجهات السورية الى تقديم طلب جديد». وقد تمسك فريق الحريري بان يكون البرلمان «وليّ الأمر» في هذا الملف ليكون قناة المتابعة «حتى النهاية» مع القضاء وذلك من ضمن الآليات التي تنص عليها الاتفاقات القضائية اللبنانية – السورية والتي تقتضي مخاطبة السلطات في بيروت، في حين ان اي ملاحقة لنائب لا يمكن ان تتمّ الا بعد رفع الحصانة البرلمانية عنه.

ووفق معادلة «اذا ثبتت الاتهامات السورية في حقي فيجب أن اعاقب، أما اذا ثبت بطلانها، فعلى مجلس النواب الذي أنتمي اليه ان يحمي سمعتي»، سار النائب الجراح ومن خلفه تياره نحو رئيس البرلمان نبيه بري الذي ابلغ الى نائب «المستقبل» خلال زيارته اياه انه يحرص على أعضاء البرلمان وكراماتهم «لكنه لن يقدم على فعل أي شيء قبل أن يتسلّم أي ملف جدي في هذا الخصوص من الجهات الرسمية المعنية»، في حين اوضح الجراح «ان المطلوب احالة الملف على القضاء او على المجلس النيابي وعدم اعتبار اطلالة السفير السوري اعلامياً بمثابة اخبار»، لافتاً الى انه قال لرئيس مجلس النواب ان الموضوع يماثل الاتهام الليبي لـ«حزب الله» بالتورط في الصراع بليبيا والاتهام الاميركي لطهران بالضلوع في احداث سورية.

وأشار الى أن «الرئيس سعد الحريري تفاجأ من هذا الأداء السوري، ولاسيما أن القيادة السورية يجب أن تكون قد اطّلعت على بيان كتلة المستقبل الذي صدر في بداية الاحتجاجات في سورية والذي أكدنا فيه قناعتنا بوجوب عدم التدخل بالشأن السوري، لكن يبدو أن القيادة السورية قرأت رسالتنا بشكل خاطئ».
واعتبر رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة ان «الاتهامات السورية» لا اساس لها.

السابق
السنّة قلبهم على أنظمة… والشيعة على أخرى!
التالي
“النهار” عن أوساط ميقاتي: استغراب لزج دار الفتوى في المقايضات والسجالات السياسية