يحقّ للقاتل ما لا يحق لغيره

يحسن بنا ان نبتسم بشيء من الخبث والالم حين يطل علينا بعض المسؤولين في الدولة ثم يتهمون الدولة بالتقصير في قمع التعديات المستمرة في الجنوب واطراف الضاحية الجنوبية، وكأهم بذلك يرفعون عن كاهلهم المسؤولية رغم انهم، هم المنتقدون، موجودون في كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية وحتى الامنية. ويجب ان نضحك كثيرا حين نقرأ او نسمع عن اعتقال عناصر دورية تابعة لقوى الامن الداخلي وهي تقوم بواجبها في قمع احدى التعديات الفاضحة على ملك عام عند اطراف مدينة بيروت.

وربما علينا ان نصدق احد نواب الجنوب المفوهين، حين يبرر ما يجري في القرى الشيعية في الزهراني والنبطية على انه نتيجة "جهود" هدفها احداث فتنة مذهبية تباشرها قوى متأمرة، بطبيعة الحال، على الجنوب والمقاومة. كما يجب ان نصدق آخرا حين يتحدث عن الجوع الكافر الذي دفع البعض الى هذا التعدي، ولم ينتبه الى حجم المؤسسات التجارية والحزبية التي يجري بناؤها على الشاطىء وعلى الطريق الساحلي وبمساحات كبرى لا يمكننا بعدها الاقتناع ان اصحابها في حالة جوع، لأنهم، على ما يبدو، من اصحاب الملايين واصحاب النفوذ.

وبعد ذلك كله يجب الصمت لأن بعض هؤلاء المسؤولين يرى في نتائج ما يجري محاولة لتصوير ابناء هذه المنطقة على أنهم خارجين على القانون، وان لا دولة تنظم امور حياتهم العامة. صمت يفترض ان ينطلق من الاقرار بالغباء والخضوع للاستغباء الذي يمارس بطريقة مخزية، تتعامل مع الناس على انهم يجب ان ينخرطوا في مخالفة القانون، والتسابق على كسب الغطاء السياسي، لتبرير السرقة والعدوان على المال العام، فاذاك لا يعود الاتهام بالفساد مقصورا على فئة من المنتفعين بل تتوسع لتحصن الاخيرة من التهم والارتكابات التي تورطت بها منذ سنوات طويلة.

 

يجب ان نضحك كثيرا إذا خرج رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وبدعم من رئيس الجمهورية، لاتخاذ قرار بازالة كل التعديات التي أقيمت خلال 30 يوما: ماذا سيكون رد الفعل؟

السؤال ليس هذا ليس لاعفاء رئيس الجمهورية أو الرئيس الحريري من مسؤولياتهما على هذا الصعيد، وهما مقصران ويتحملان مسؤولية فيما يجري. فلا شك ان مبادرتيهما سوف تعتبر تطاولا على هذه المناطق وابنائها، وليس مستبعدا ان تدرج هذه الخطوة في سياق التمهيد لنزع سلاح المقاومة. والاهم ان اولئك الذين يديرون عملية التعديات، بوعي كامل، سيخرجون الى الشوارع والازقة ليتحدثوا عن مؤامرة تطال المحرومين، فيما هم يدعمون بناء انشاءات خاصة ولاهداف تجارية بحتة ويصادرون اراض شاسعة بقوة النفوذ السياسي والمالي.

وكما تم استغلال ما جرى من قبل بعض مهجري بلدة يارين السنية في خراج بلدة البيسارية من تعديات لم تتجاوز الـ30 مخالفة مرفوضة، لتبرير حصول اكثر من ثلاثة آلاف مخالفة في بقية القرى الجنوبية الشيعية.

يجب ان نصفن قليلا ونسأل في ظل استمرار هذه المجزرة: هل فعلا ان الرئيس نبيه بري وحركة امل والسيد حسن نصرالله وحزب الله، الذين يحظون بتاييد جماهيري واسع في هذه المناطق، وبنفوذ امني وعسكري واجتماعي وديني لا ينافسهما عليهم احد، غير قادرين على وقف هذه المجزرة – المهزلة؟

وإذا صدقنا عجزهما فهل يعتقدان ان القوى الامنية قادرة على القيام بهذه المهمة؟ وقد يسأل البعض لماذا لم نشهد حملات اعلامية تشنها وسائل اعلام الطرفين عادة ما تشن على ما هو ادنى خطرا من هذه الظاهرة؟ لا بل لماذا لم يظهر الاعتداد بالالتزام الديني عبر اصدار فتوى تحرم هذه التعديات؟ وهي لا شك تبقى اهم بكثير من العديد من الفتاوى في شؤون عادية وفردية.

يصعب على الباحث عن حجة مقنعة للثنائية الشيعية في الجنوب ان يجد مبررا لأن تظهر عجزها. فهي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة الدينية والسلطة الاجتماعية، اما بقية الرئاسات والمؤسسات الدستورية، فتبدو في احسن الاحوال غير آبهة بما يجري. على الاقل لم تعلن اي مؤسسة او مسؤول معني في هذه الدولة انه يجب ازالة هذه التعديات. اكتفى الذين تحدثوا بالدعوة الى وقفها فقط. وهذا ما يكشف ان ما تم من مخالفات يلقى حماية سياسية تتجاوز القانون.

إنها موجة جديدة من موجات التعدي على الدولة وعلى منطقها، مصحوبة بالتعدي على "تاريخ" النشيد الوطني اللبناني، وبالتعدي على "هيبة" قوى الامن، التي هشمها اكثر من طرف هي والقضاء اللبناني، والتعدي على "فكرة" الديمقراطية في اسلوب اسقاط المؤسسات و الحكومة بالقوة.

كل ذلك يصب في "جهود" لـ"قتل" فكرة الدولة، وبعدها يحقّ للقاتل ما لا يحق لغيره.

السابق
مشاعات الجنوب تستباح على مرأى ومسمع المسؤولين
التالي
باسيل: اتصالي بـ نصرالله لمعالجة أكثر من مسألة