سورية… حقيقة الاستهداف الخارجي!

غير مقنع على الإطلاق, ليس بالنسبة لنا نحن العرب وإنما بالنسبة لهذا العالم الذي يراقب الأمور عن كثب، والذي تصل إليه تقارير دقيقة عن كل صغيرة وكبيرة, أن يواصل الإعلام السوري سياسة الاختباء وراء إصبعه، وأن يبقى يعلق هذه الأحداث الجسام التي تتعرض لها «الشقيقة» سورية على مشجب عدوٍّ خارجي يستهدفها لأنها دولة «ممانعة» و»مقاومة»!
فمن هو هذا العدو الخارجي الذي يستهدفها على هذا النحو؟ هل هو الغرب و»الاستكبار العالمي» أم دول «الاعتدال العربي» أم هو الفيلد مارشال سعد الحريري؟!

هناك مثَل يقول: «اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فإني كفيل بهم»… وحقيقةً فإن سبب كل هذا الذي يجري في سورية هو تصرفات الذين يدّعون الحرص عليها، وهو تجاوزات بعض كبار المسؤولين، وهو الفساد الذي هو القاسم المشترك بين كل الدول العربية وكل دول العالم الثالث مع بعض الفروقات بين دولة ودولة، ونظام وآخر، وأيضاً هو الاستبداد الآسيوي البشع، وهو إدارة البلاد بعقلية ستينيات القرن الماضي، مع أن العالم دخل العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين.

قد يكون هناك تنظيم معين قادر على استهداف سورية بعملية إرهابية أو أكثر، لكن ما هو غير ممكن على الإطلاق هو أن تستطيع جهة معينة, حتى إن كانت هذه الجهة الولايات المتحدة بكل جبروتها ومعها إسرائيل, أن تحرك مدناً سوريةً كاملةً على هذا النحو، وأن تنقل شرارة الاحتجاجات بكل هذه السهولة وبكل هذه السرعة من درعا حتى دير الزور، ومن دوما إلى اللاذقية وبانياس، ومن الصَّنمين إلى حلب والقامشلي.

إنه ليس بإمكان قوة في العالم أن تحرك شعباً بأكمله أو أغلبيته، وبكل هذا الاتساع وهذه الشمولية ضد النظام الذي يحكمه لو أن العلاقة بين هذا الشعب وقيادته صحيحة وسليمة، فالقلاع لا يمكن أن تُحتَل إلا من داخلها، وحكاية حصان طروادة معروفة جيداً في هذه المنطقة، ولهذا فإنه كان من الأفضل والأسلم ومنذ اليوم الأول استبعاد حكاية «الاستهداف الخارجي» هذه واستبعاد هذه اللعبة الإعلامية الموغلة في التبسيط والسطحية التي تتحدث عن مسؤولية عصابات مسلحة, ربما هبطت من المريخ, عن كل هذا الذي جرى والذي لا يزال يجري وعمَّ كلَّ المدن السورية.

قد يكون للولايات المتحدة بعض الاعتراضات على تدخل سورية في لبنان وفي العراق، لكن هذه الاعتراضات لم تصل وهي لن تصل إلى حد إشعال فتيل هذا الانفجار الشعبي الهائل الذي لا يستطيع لا الأميركيون ولا غيرهم التكهن بالنتاج النهائية التي ستترتب عليه، وما إذا كان سيأتي بنظام على رأسه مجموعة إرهابية أو مجموعة متطرفة، سيكون مصدر قلق وإقلاق لهذه المنطقة ومصدر تهديد للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط كله.

وحتى بالنسبة لإسرائيل، فإنها أولاً غير قادرة على أن «تُثوِّر» الشعب السوري ضد نظامه على هذا النحو وبهذه السرعة، كما أنه ثانياً في غير مصلحتها استبدال هذا النظام بمجهول هي لا تعرفه قد يحول جبهة الجولان إلى جرحٍ نازف في الخاصرة الإسرائيلية وينهي هذا الهدوء المستمر بانضباطية شديدة منذ حرب أكتوبر عام 1973 وحتى هذه اللحظة… ولهذا وحرصاً على سورية العزيزة من أن تذهب إلى المجهول, إن بقي التعامل مع هذه الانتفاضة الشعبية بالرصاص وبالهروب إلى الخارج وبافتعال عدو وهمي يستهدف حصن «الممانعة» و»المقاومة», فإنه لا بد من الاعتراف بالحقيقة، ولا بد من مواجهتها بما يحفظ وحدة البلاد ويجنبها خطر التشظي والتقسيم الذي هو أبشع الأخطار وأكثرها مأساوية.

السابق
الصراع السلفي – الشيعي.. إلى متى؟!
التالي
الراي: اتهامات سورية لـ”المستقبل” رسالة متعددة الاتجاهات بـ… “البريد الساخن”