الثورات العربية تصب لمصلحة…حزب الله

العواصف الشعبية تهبّ من كل حدب على العالم العربي، ولا يبدو أنها ستسكن قريباً. المراقبون منشغلون بتقييم الضبابية السياسية التي أحدثتها تلك الثورات، من المغرب وحتى الخليج، وأبعد.

وقد لا يكون من المبكر، تقييم أثر هذه الأحداث على وضع ابرز اللاعبين في العالم العربي، كـ«حزب الله» في لبنان، وخاصة بالنظر إلى «العداء الجلي» الذي ميّز العلاقة بين الحزب ونظام الرئيس المخلوع في مصر حسني مبارك، وغيره من الأنظمة المهددة بفعل الثورات.

ويتمتع «حزب الله» بشعبية واسعة جداً في الشارع العربي، الذي يطالب بحريات سياسية، وبفرض حكم القانون وانتخاب حكومات تمثله وفرص عمل وغيرها من الديناميات القابلة للتطبيق.

ورغم الهجوم الإسرائيلي الضخم الذي واجهه في تموز 2006، ورغم المحاولات التي بذلها خصومه السياسيون من اجل تقويض موقعه، وتحميله مسؤولية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، يواصل الحزب صعوده كحزب سياسي، وحركة اجتماعية وقوة شبه عسكرية في الشؤون اللبنانية والإقليمية.

أما في ما يتعلق بالثورات التي تجتاح العالم العربي، فلم يكن «حزب الله» «خجولاً» في الإعراب عن مواقفه، وإن كان قد اتخذ في البداية مقاربةً حذرة حيال الحركات المعارضة في تونس ومصر، خوفاً من أن يؤثر أي دعم مبكر، من قبل الحزب، على شرعية تلك الحركات، ويصبّ زيتاً على نار «الادعاءات التي غالباً ما تكررها تلك الأنظمة المتهالكة بأن المتظاهرين يخرجون إلى الشوارع تنفيذاً لأوامر عناصر أجنبية تهدف الى زعزعة استقرار المنطقة».

في الأساس، اختار «حزب الله» الإحجام عن إصدار أي دعم للثوار، إلى ان دخل هؤلاء في نقاشات تحليلية للأوضاع العربية الإجمالية. وقال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، في خطاب في 7 شباط، «لو كنا قد أعربنا عن تضامننا (مع الثورة المصرية) في وقت سابق، كانوا سيقولون إن الثورة يديرها «حزب الله» او خلايا «حماس» او حتى الحرس الثوري الإيراني. وهكذا تصبح هذه الحركة الوطنية الحقيقية والأصلية متهمة بأنها تخدم برنامجاً أجنبياً».
بعد هذا الخطاب، أعرب «حزب الله» عن تضامنه مع ما يعتبره «إرادة حقيقية من الشعوب العربية والمسلمة التي تكافح من أجل العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في وجه أنظمة استبدادية فاسدة وغير شرعية»، يقول إنها تلقى الدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وكان لسقوط نظام مبارك، العدو المزمن لـ«حزب الله»، وقع خاص لدى الحزب، الذي يتمتع بشعبية واسعة جداً لدى المصريين، لكونه يقاوم إسرائيل ويدافع عن القضية الفلسطينية.

ليست ثورة مصر وحدها في نطاق اهتمام الحزب. ففي خطاب ألقاه في 18 آذار، تطرق السيد حسن نصرالله الى ما يجري في ليبيا والبحرين واليمن، قائلاً «نجتمع لنعرب عن دعمنا لشعوبنا العربية وثوراتهم وتضحياتهم. لقد تحقق نصر كبير في تونس ومصر. ليبيا دخلت حرباً اهلية. وفي البحرين واليمن، فإن الأنظمة تدفع شعوبها إلى شفا الحرب الأهلية».
ثم خصّ العقيد الليبي معمر القذافي بجزء من خطابه، لصلة الأخير باختفاء الإمام موسى الصدر.

ولم يفوّت «حزب الله» فرصة الحديث عن البحرين، وخاصة الديناميكيات المذهبية التي تنطوي عليها الثورة هناك، حيث تحكم ملكية سنية مدعومة سعودياً وأميركياً، الغالبية الشيعية من الشعب البحريني، الذي يعاني من تمييز في أوجه الحياة عموماً.

معلّقاً على قرار الحكومة البحرينية سحق معارضيها المسالمين، بعنف، وعلى قرار السعودية إرسال جنودها لدعم حليفها، قال السيد نصرالله إن «النظام في البحرين لم يكن مهدداً، والمقاومة كانت سلمية. ومع ذلك استُخدم الجيش ضد هذه التظاهرة… اسأل اولئك الصامتين في العالم العربي والمسلم عن سبب صمتهم عن الظلم الذي يحيق بأخوانهم في البحرين: هل لأنهم (البحرينيين) شيعة؟»، مستغرباً عدم إثارة المسألة المذهبية عند الحديث عن «الشعب الفلسطيني أو المصري أو التونسي او الليبي». كما لم يغفل السيد نصرالله عما يجري في اليمن.

لندع الخطاب جانباً، هناك اعتبارات جيو سياسية لا بد من الوقوف عندها. فدعم «حزب الله» للحركات الاحتجاجية العربية يتوقف عند البراغماتية المحسوبة. مجرى الأحداث التي تعيد رسم المشهد في الشرق الأوسط، يصب في مصلحة «حزب الله» بوصفه جزءاً من «محور المقاومة»، مع إيران وسوريا و«حماس»، وهي كتلة تعارض النظام الذي تديره الولايات المتحدة، ويضم إسرائيل والأنظمة العربية «الاستبدادية» الحليفة، كالسعودية، لذا، من السهل معرفة لمَ يكسب «حزب الله» (وحلفاؤه) من الثورات العربية الحالية. وقد أوجزها السيد نصرالله عندما قال إن «إسرائيل اليوم تندب خسارة حليفها الاستراتيجي في المنطقة (مصر)، بعدما خسرت شاه إيران في 1979، وبعدما خسرت تركيا، إلى حد كبير، بعد العدوان على لبنان وغزة».
وغالباً ما يصنّف المستبدون الممسكون بالحكم في العالم العربي «حزب الله» على انه تهديد للمنطقة. هو تهديد غالباً ما يتم ربطه بالمعايير المذهبية.

فـ«حزب الله» الشيعي وحلفه مع إيران يمثل قوة لزعزعة الاستقرار والراديكالية، بينما في الواقع، «يكمن التهديد الذي يمثله للأنظمة الحاكمة في نزعته لانتقاد الحكومات العربية، ولكونه يلهِم حركات المعارضة المحلية، التي ترى نفسها أقرب إلى الحزب منها إلى القادة المحليين، الذين ينظر إلى العديد منهم على أنهم عملاء للولايات المتحدة وإسرائيل».

انطلاقاً من أصوله العقائدية التي جعلته قاعدة للثورة الإيرانية في المشرق، يفتخر «حزب الله» اليوم بهوياته المتعددة والمتداخلة، التي تستهدف جماهير متعددة في لبنان وأبعد، فهو حزب سياسي، ومنظمة لبنانية حيوية وحركة إسلامية شيعية عابرة للحدود. وهو تارة مدافع عن اللبنانيين كافة، بصرف النظر عن مذاهبهم، ومدافع عن السيادة اللبنانية ضد إسرائيل، وحامي القضية الفلسطينية والقضايا العربية، وهو تارة أخرى قوة تدافع عن العدالة الاجتماعية، وتارة أخرى هو المقاومة. وهذه الحقيقة ترعب الأنظمة الحاكمة في العالم العربي.

وبرغم قوة إسرائيل العسكرية الهائلة، تسود العالم العربي قناعة بأن أداء «حزب الله» المثير للإعجاب، خلال حرب تموز 2006، ساعده على كسب قدرة ردع فاعلة في وجه الدولة العبرية. ولكونه حزباً يفي بوعوده ويتجاوز ما يُتوقع منه في أرض المعركة، قد يكون مهماً دراسة كيف سيؤثر تغير المشهد السياسي في العالم العربي، على استراتيجيات الحزب في أي حرب محتملة مستقبلاً مع إسرائيل.

ونظراً إلى الوعيد الذي أطلقه السيد نصرالله مؤخراً بأنه سيورط إسرائيل بحرب على «أراضيها» (فلسطين المحتلة) ان هي اعتدت على لبنان، ونظراً إلى قدرة الحزب على التسلل، بنجاح، إلى المنظومة الأمنية الإسرائيلية، لن يكون مستبعداً ان يحاول الحزب أن يخوض معركة فاعلة في شمالي إسرائيل في المواجهة المقبلة (المحتملة). والرمزية التي ستنطوي عليها مثل هذه الخطوة ستكون عميقة جداً.

ليس هذا فحسب، فإن تغيراً كبيراً في السياسة الخارجية تنتهجه مصر ما بعد الثورة، وإن كان من المستبعد ان يرقى إلى مستوى التخلي عن اتفاقية كامب ديفيد، سيكون له وقع كبير في مجريات الأحداث.
ولا يزال الرأي العام في مصر وسائر أنحاء الشرق الأوسط معارضاً بشدة لإسرائيل، بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية وتواطئها مع الأنظمة العربية في هذا السياق، كمثل الدور الذي أداه نظام مبارك والسلطة الفلسطينية خلال العدوان على غزة في 2008. من هنا، فإن احتمال أن تنتهج مصر سياسة خارجية تكون أقرب إلى الرأي العام، ليس مستبعداً.

في الواقع، إن أي تغيير ولو بسيط في السياسة الخارجية لمصر ما بعد الثورة، بعيداً عن الموقف الموالي للولايات المتحدة وإسرائيل، سيعزز موقع «حزب الله»، في مواجهته مع إسرائيل وخصومه الآخرين في المنطقة. وعليه، فإن تراجع قوة التحالف الذي تقوده واشنطن في المنطقة بفضل الثورات المستمرة في الدول المستبدة، وصعود حكومات تمثل شعوبها، سيصبّ في صالح «حزب الله».

(ترجمة جنان جمعاوي – السفير)

السابق
نتنياهو يتلقى دعوة للتحدث أمام الكونغرس الأمريكي
التالي
مجلس النواب الاميركي يصادق على تحويل مساعدات عسكرية لـ”اسرائيل”