الانباء: هل مازالت الحكومة ممكنة وأين تكمن المشكل

كانت الأنظار تتجه الى قصر بعبدا «لعل وعسى» ان تعلن مفاجأة الحكومة الجديدة، فإذا بالحدث الحكومي يأتي من دمشق، حيث أعلنت حكومة ثلاثينية أيضا برئاسة عادل سفر لمرحلة انتقالية «اصلاحية»، وكان الترقب سائدا لما سيعلنه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من قصر بعبدا وما اذا كان خروجه عن الصمت هو لإعلان حكومته وما اذا كانت هذه الحكومة، حكومة الواقع السياسي أم حكومة الأمر الواقع. ولكن ميقاتي أعلن شيئا آخر: اعطاء مهلة اضافية لتشكيل الحكومة، مؤكدا التمسك، ورئيس الجمهورية، بحقهما الدستوري، ومؤكدا أيضا انه لن ييأس، ومحددا مواصفات الحكومة الجديدة بأنها «ميثاقية جامعة تمثل مختلف أطياف الشعب اللبناني وتبعد الفتنة وتعمل تحت سقف الدستور».

هذا الاعلان يضع حدا لموجة تفاؤل سادت أوساط معينة ولم تكن تستند الى أساس واضح، ويعيد عملية تشكيل الحكومة برمتها الى المربع الأول، مربع ما بعد استشارات التأليف، عندما كان البحث جاريا في شكل الحكومة وطابعها ومهمتها لأن كلام الرئيس ميقاتي يوحي بانه تجاوز ما اصطلح على تسميته «حكومة 8 آذار»، وانه بعدما طوى «حكومة أمر واقع» يتطلع ويسعى الى حكومة إنقاذ وتوازن.

وبين خطوة الى الوراء (الاعتذار) ليست واردة في حساباته حتى إشعار آخر، وبين خطوة الى الأمام (التشكيل) ليس مستعدا لها اذا كانت تنطوي على مخاطر، فإن ميقاتي، وهو الذي يحسب قراراته جيدا، يفضل الاستمرار في الوضع الحالي حتى لو كان الاستمرار مرادفا للمراوحة والانتظار.

وواقع ميقاتي يشير الى انه يتحرك في حقل ألغام سياسية، فلا هو قادر على الرجوع الى الوراء ولا التقدم الى الأمام، والبديل هو الانتظار والعمل على تفكيك الألغام وتأمين أرضية ثابتة مستقرة للحكومة حتى تكون قادرة على العمل وعلى البقاء.

اذا كان الرئيس ميقاتي لديه من قدرة التحمل وبرودة الأعصاب ما يجعله قادرا على الانتظار وليس لديه ما يخسره، فإن فريق 8 آذار لم يعد لديه مثل هذا الاستعداد وبدأت تصدر عنه إشارات سياسية متزايدة تعكس حالة تململ لديه إزاء التأخر الحاصل في تشكيل الحكومة، والذي بدأ يأكل من رصيده ويصوره عاجزا عن استكمال «انقلابه»، وفاشلا في ترجمة الأكثرية الجديدة واقعا حكوميا وسلطويا، وهذه الإشارات بدأت تعكس بوادر أزمة ثقة بالرئيس ميقاتي وتترافق مع شكوك وتساؤلات كثيرة لم تخرج كلها الى العلن بعد من نوع: هل يريد ميقاتي فعلا تشكيل الحكومة؟ هل عمد الى مراجعة حساباته في ضوء المستجدات العربية؟ هل ما يحدث في المنطقة يدفعه الى البحث عن خروج مشرف أم يدفعه الى التمسك بشروطه اعتقادا منه بأن المتغيرات تعزز الحاجة اليه، خصوصا أنه لا بديل له في هذه المرحلة؟

في الواقع تشهد أروقة 8 آذار منذ فترة نقاشا سياسيا لا يخلو من نقد ذاتي ومراجعة حسابات وأجواء إحباط تماما كما حدث في أروقة 14 آذار بعد خروجها أو إخراجها المفاجئ من الحكم. ويصل هذا النقاش عند «الصقور» الى حد القول ان الأكثرية الجديدة أخطأت في اختيار ميقاتي، فهو ليس رجل المرحلة وجاء في الوقت غير المناسب. وبعد ثلاثة أشهر ثبت انه يتصرف على أساس انه مستقل ووسطي وليس عضوا في فريق 8 آذار أو جزءا من تحالف الأكثرية الجديدة، ولا يرى انه صار رئيسا مكلفا بفعل دعم هذا الفريق، وعليه ان يرضخ لمطالبه، كما يؤخذ على ميقاتي «إفراطه» في التمسك بصلاحيات رئيس الحكومة كما نص عليها الدستور وفي تولي مهمة تأليف الحكومة بالتنسيق والتعاون مع الرئيس سليمان وعلى أساس ان تكون حكومة من فريقين، بمعنى ان يأخذ هو ورئيس الجمهورية ومعهما جنبلاط مكان وحصة 14 آذار.

«صقور 8 آذار»، الذين لا ينظرون الى ميقاتي كحليف سياسي بقدر ما ينظرون اليه كشريك حكومي، لا يوفرون قيادتهم من نقدهم السياسي الجارح، لأن ما وصلت اليه أظهرها كما لو انها ارتكبت خطأ سياسيا بإسقاط حكومة الحريري من دون ان تكون مرحلة ما بعد الحريري جاهزة ومعدة سلفا، بما في ذلك الاتفاق مع ميقاتي مسبقا على شكل الحكومة وتركيبتها وبرنامجها، والآن هذا الخطأ يتواصل إذ تكاد الشراكة مع ميقاتي تتحول الى «مواجهة» وليس لدى فريق 8 آذار «خطة ب» بديلة جاهزة، فهل البديل عن ميقاتي متوافر؟ وهل تبقى الأكثرية أكثرية مع غير ميقاتي؟ وهل ينجح البديل حيث فشل ميقاتي؟

إذا صح ان فريق 8 آذار وقع في خطأ حسابات سياسية، إن لجهة تقدير مرحلة ما بعد الحريري، أو لجهة تقدير شخصية ميقاتي وسلوكه السياسي، فإنه لا يتحمل وحده مسؤولية ما وقع به، تماما مثلما لا يمكن القول ان الرئيس ميقاتي أخطأ عندما أقدم في اتجاه رئاسة الحكومة وقبل التكليف، يمكن القول ان ما جرى في تحول مسار عملية تشكيل الحكومة ليدخل «مربع التأزم والتعقيد والتعثر والمراوحة والانتظار» يعود في جزء أساسي منه الى تطورات المنطقة العربية غير المحسوبة والتي لم يكن يتوقعها أحد ولم يكن بإمكان أحد ان يتوقعها وباغتت الجميع وفرضت تعديلا أساسيا في الأجندات والأولويات وتكاد تقلب الأوضاع والمعادلات رأسا على عقب، وفي مقدمة هذه التطورات التي تعني الوضع اللبناني مباشرة وتنعكس عليه: الأحداث في سورية التي يصعب التكهن بمداها وتطورها والتي بدأت تنعكس مباشرة على الوضع في لبنان بأن أدت الى «تسميم» أجواء العلاقات اللبنانية ـ السورية مع صدور اتهامات سورية صريحة لفريق سياسي أساسي هو تيار المستقبل بأنه يلعب دورا في تغذية واذكاء الأحداث هناك، وانه يتحمل مسؤولية سياسية ويتحمل بعض نوابه مساءلة قضائية، والى الأحداث السورية، تضاف الحرب الباردة المفتوحة والمكشوفة بين إيران والسعودية ومن ورائها كل دول الخليج انطلاقا من أزمة البحرين وبسببها. وهذه الأزمة الخليجية انعكست أيضا على الوضع في لبنان بقدر ما أنها أدت الى رفع منسوب التوتر والصراع السني ـ الشيعي في المنطقة، خصوصا مع تدخل فريقين لبنانيين فاعلين في هذه الأزمة.

السؤال المطروح اليوم: هل الحكومة الجديدة التي لم تولد منذ ثلاثة أشهر عندما انطلقت عملية التأليف بزخم تكليف ميقاتي، وعندما كانت التحولات العربية في بدايتها، مازالت ممكنة اليوم بعدما أكل التأخر من الرصيد السياسي للأكثرية الجديدة وللرئيس ميقاتي الذي عوض بارتفاع رصيده السني، وماذا عن التفاهم السوري ـ السعودي وهل مازال ممكنا تعويمه، أم تجاوزته الأحداث؟ وهل تقوم حكومة لبنانية لا ترتكز على هذا التفاهم؟

السابق
الحكومة وحزب الله
التالي
الانباء: حقيبة الاتصالات انضمت إلى حبل العقد المشدود حول عنق الحكومة