مطار أبيدجان: تشييع أبو عيد وشكاوى بالجملة

شيّعت بلدة عين بعال، أمس، المواطن منير أبو عيد الذي توفي بعد إصابته بنوبة قلبية في مطار أبيدجان. وفي موازاة هذه الحادثة، ينقل اللبنانيون مشاكل كثيرة من ساحل العاج، متحدثين عن «تجاوزات» عديدة تحدث في المطار هناك، يحمّلون مسؤوليتها إلى الجهات الرسمية اللبنانية

حتى في الموت تأبّط منير أبو عيد جواز سفره الذي كان سيجدّده حكماً، قبل نهاية العام الجاري. عصر أمس، احتضن تراب بلدة عين بعال جسد ابنها المغترب منير أبو عيد الذي حظي بمكان على إحدى طائرات شركة طيران الشرق الأوسط التي تقل الرعايا اللبنانيين من أبيدجان إلى بيروت مجاناً. لم يستطع القلب الثلاثيني لوالد له طفل يبلغ ثلاث سنوات تحمّل طابور الانتظار الطويل الذي أمضاه منذ هروبه من منزله حتى التحاقه بمخيم اللاجئين في القاعدة الفرنسية، ثم تمكنه من اللحاق بركب البعثات الرسمية اللبنانية في مطار أبيدجان، منير وأسرته كانا نقطة في بحر آلاف اللبنانيين المنتظرين دورهم للهروب من جحيم أبيدجان إلى الوطن، ولو مؤقتاً.

في المطار المزدحم الذي تبلغ مساحته أقل من نصف مطار بيروت، هوى منير فجأة أمام مرأى من زوجته غادة وسائر أفراد الجالية اللبنانية والبعثة العسكرية، أجرى فريق الصليب الأحمر اللبناني المشارك في الوفد الإسعافات الأولية، ليتبيّن أنه أصيب بذبحة قلبية أودت بحياته.

في لبنان، تبرر عائلة أبو عيد انطفاء قلب ابنها الذي أثقلته الاضطرابات الأمنية في أبيدجان وما رافقها من حصار عاناه مع أسرته في منزلهم لأيام وسط حظر للتجوال، وكالكثير من العائلات، عانت عائلة أبو عيد من نقص الغذاء والشراب، ولا سيما حاجيات طفله، من دون أن يتمكن من فعل شيء. هكذا بدت أجواء منطقة صور الثكلى على غياب منير كأنه قضى قتلاً على أيدي المسلحين في أتون الاشتباكات الدائرة، فالطرق اتّشحت بالسواد وأهالي البلدات المجاورة اندفعوا لتشييع الجثمان، بدءاً من وصوله فجر أمس إلى مطار بيروت حتى وصوله إلى مسقط رأسه ظهراً. فالشاب وإن قضى قضاءً وقدراً، إلا أن اللافتات أجمعت على أنه شهيد الاغتراب، وكان أبناء الجالية اللبنانية في أبيدجان وطاقم السفارة قد
شيّعوا منير أول من أمس. أما غادة، أرملة أبو عيد، قد عادت على متن رحلة يوم أول من أمس إلى بيروت.

وفي بيروت، القصص كثيرة عن ساحل العاج، صراخ وتضارب، نساء وأطفال وعجائز يفترشون الأرض، شكاوى بالجملة من الإهمال والمحسوبيات، اتهامات بالرشوة، سماسرة عاجيون. مشهد يتكرر يومياً في مطار أبيدجان. يتردد هذا الكلام على ألسنة اللبنانيين هناك، وبعضهم تحدث عن رشى دفعوها لتحصيل تذاكر سفر لعدد من المحتاجين: «لم ندفع لنسافر، ولكن هناك حالات حرجة كان لزاماً علينا أن نؤمنها» يقول أحدهم، ويؤكد أن عدداً من المواطنين العاجيين ينتشرون في المطار كسماسرة «يقبضون من اللبنانيين مبالغ متفاوتة، ويتوجهون إلى الكونتوار ليعودوا بعد قليل حاملين التذاكر المطلوبة»! ويتداول اللبنانيون هناك قصصاً كثيرة من هذا النوع، تصل إلى حدّ ذكر أسماء عدد من الضباط الموفدين رسمياً لإدارة عملية الإجلاء.

كذلك يشكو آخرون من تمييز طائفي علني، فيتّهم حسام مرعي «الوفد اللبناني العسكري بأنه يسعى إلى إنهاء مهمة محددة من خلال إجلاء فئة معينة من اللبنانيين، على أساس طائفي وسياسي»، هذا فضلاً عن الإهانات التي يتعرّض لها العالقون في المطار. كذلك قال المغترب حسن سعد أن ضابطاً لبنانياً برتبة نقيب هدّد المتجمهرين أمام الكونتوار بأنه سيستدعي «العسكر الفرنسي إذا رح تضلوا تزعجوني»، وفعلاً، حضر هؤلاء مدعومين بمجموعة أردنية تابعة للطوارئ، لـ«قمع» الناس، إلا أنهم بعد الاطلاع على حقيقة الموقف، سارعوا إلى مغادرة المكان.
ودفع الوضع في المطار الكثيرين للمغادرة إلى منازلهم، مستفيدين من جوّ عام مطمئن أمنياً، ومتسلحين بمبالغ مالية «نحضرها للسارقين إذا حضروا» يقول سعد.
وتشجّع آخرون على فتح مؤسساتهم «نصف باب»، ولا سيما محال المواد الغذائية، وخصوصاً في ماركوري، ويدخل المسلحون إلى المنازل مردّدين عبارة: «لا تخافوا، فقط سلّمونا الهاتف وما معكم من أموال».

السابق
ندوة حول شباب لبنان وإشكالية تكوين الأسرة
التالي
السياسة والنفايات: الأزمة تتعقد جنوباً